عاصفة مُدوية داخل الإدارة الأميركية، وخارجها على مستوى الدول التابعة لواشنطن والمُلتحقة بها، أَحدثَها قرار الانسحاب من سورية الذي أصدره دونالد ترامب مُنفرداً، وما زال يُدافع عنه منذ أربعة أيام من دون أن تَهدأ منصات الرفض أو تتوقف عن انتقاده، الأمر الذي يَدفعُ للبحث بالاحتمالات التي ينطوي عليها قرار ترامب، هل هو مُناورة وتوزيع جديد للأدوار؟ أم اعتراف نهائي بالهزيمة؟.
مهما كان الهدف، فقد بات واضحاً أن قرار ترامب لا يعكس سوى حالة التخبط في معسكر العدوان، ذلك لأنه أحدثَ ما يُشبه الزلزال، انقساماتٌ حادّة بين الجمهوريين والديمقراطيين وداخل أوساط الحزبين، تَقاذفُ اتهامات وتَبادلُ انتقادات عنيفة، سجالاتٌ في البنتاغون هزّت أركانه وبُنيته، واستقالاتٌ قدّمها مسؤولون بارزون!.
يُضاف إلى ما تَقدّم مواقف مُعارضة لقرار ترامب في الغرب والشرق، فضلاً عن الكيان الصهيوني الذي فقد أعصابه. فهل هناك أهم من بروز هذه الارتدادات ليَتأكد للعالم أهمية ما قامت به سورية؟ وهل هناك من أحد ما زال يرغب بإنكار حقيقة انتصار سورية، أو عدم الاعتراف بهزيمة مُعسكر أعدائها؟ وبالتالي هل هناك من سيُدرك لاحقاً بأن هذه الارتدادات إنما هي ارتدادات انتصار سورية وحلفائها، وبأنّ القرار الأميركي قد يكون سَرّعها فقط، وأسهم بتظهيرها على هذا النحو العاصف والمُتفجر الذي يعكس رغبة البعض بالمُحافظة على مجلس المُنفصلين عن الواقع!؟.
سيبقى هناك حالمون، وآخرون مُنفصلون عن الواقع قد يكون ترامب ذاته أحدهم، ذلك لأنه قَدَّمَ لقرار الانسحاب بمنطق آخر يُنكر هزيمة مشروع بلاده، ويَدّعي تحقيق الهدف الذي من أجله ملأَ سَلَفُه الفضاء تلفيقات كاذبة، حيث كان ترامب قد شَرَعّ باستكمال ما بَدأته إدارة باراك أوباما قبل أن يُدرك استحالة التقدم خطوة واحدة رغم حماقة ما قام به مُبكراً وعلى نحو مُتهور بالعدوان المباشر على سورية (العدوان الثلاثي على مطار الشعيرات نيسان الماضي).
المُنفصلون عن الواقع وجدوا بقرار ترامب تَرسيخاً لانتصار سورية قيادة وجيشاً وشعباً، وإخلاءً للساحة لروسيا وإيران كحليفين لسورية، فضلاً عن أنه – حسب تقديراتهم – سيدفعهم مُرغمين للاعتراف بالفشل، وهو في الحقيقة يَعتَملُ أكثر من ذلك، إذ لا بد أن تكون الخطوة التالية مُلاحقة كل المُتورطين باستهداف الشعب السوري، على قاعدة وجوب تَجريم قادة دول حلف العدوان بصناعة الإرهاب ودعم تنظيماته، وبارتكابهم جرائم حرب، وباتخاذهم إجراءات أحادية الجانب فرضت عقوبات جائرة لم تَستثن حتى الأدوية والمواد الغذائية، وأولها حليب الأطفال!.
في تصريح سابق لأحد المُتورطين الأساسيين بدعم الإرهاب، وبالمؤامرة ضد سورية – القطري حمد بن جبر – اعترف بأن بلاده والسعودية أنفقتا 137 مليار دولار لتخريب سورية، غير أنّ أميره الدَّميم ما زال يحجز مَقعداً بمجلس الواهمين المُنفصلين عن الواقع إلى جانب أردوغان ونتنياهو وآخرين في نادي اتحاد القارّة العجوز، استجداء – ربما – لفُرصة أخيرة تمنحها لهم واشنطن، وربما طلباً لدور جديد أكثر قذارة يُستخرج من عملية مُراجعة المواقف بعد تقييم التجربة الفاشلة!.
علي نصر الله
التاريخ: الأثنين 24-12-2018
رقم العدد : 16868

السابق
التالي