لا جدال في أن القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب المفاجئ والسريع من سورية ـ وهو القرار الوحيد المتعقل له بعد سلسلة من الحماقات والقرارات المجنونة ـ سيجرّ خلفه تداعيات أميركية أخرى لن تبقى محصورة في استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، بل قد تطول رموز أخرى في إدارة ترامب، بسبب اختلاف وتصارع الأجندات بين المستويين السياسي والعسكري.
وما يقال بحق أميركا يصح في حالة إسرائيل نتيجة العلاقة التحالفية التي تجمعهما، وتأثير مثل هذا الانسحاب على مجمل الحسابات والرهانات الإسرائيلية في المنطقة، وليس سراً أن مستقبل نتنياهو السياسي بات على المحك بسبب تهم الفساد التي تلاحقه داخلياً والتحديات الإقليمية التي فرضت نفسها بسبب تعاظم قوة محور المقاومة.
قرار ترامب الذي ترجم مأزقاً أميركياً عميقاً على المستوى الاستراتيجي، أحدث هزة عنيفة في أوساط حلفاء واشنطن وأدواتها في المنطقة والعالم، وخلق لديهم حالة انعدام ثقة بالسياسة الأميركية عموماً، فالقوة العظمى التي تتحكم بمصير العالم وتحشد الكثير من دوله كالقطعان خلف مشاريعها وأطماعها وتحالفاتها العدوانية، لا تعرف ماذا تريد، ولا تملك استراتيجية واضحة لمستقبل العالم.
فالذين رسموا في أذهانهم سيناريوهات حالمة للمنطقة بالاعتماد على الوجود العسكري الأميركي في سورية، سيكون عليهم إجراء مراجعات سريعة ومؤلمة لسياساتهم العدوانية والتدخلية، والاستعداد لمرحلة جديدة عنوانها انتصار سورية وحلفائها، وإعادة صياغة معادلات المنطقة وفق معطيات هذا الانتصار المدوي.
من بين أهم الدروس والرسائل التي أفرزها قرار ترامب هو أن أميركا لا تكترث بالمبادئ والعهود والالتزامات التي تقطعها، بل هي مستعدة لبيع حلفائها وأصدقائها عند الضرورة دون الالتفات إلى مشاعرهم أو مصالحهم، فهل يتعظ أولئك الحمقى الذين ربطوا مصيرهم بها وخانوا شعوبهم وأمتهم وقضاياها في سبيل خدمة المشاريع والأجندات الأميركية المتبدلة والمتغيرة، أم إنهم أعجز من أن يتعلموا أو يتعظوا..؟!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 24-12-2018
رقم العدد : 16868
السابق