جرت في بدايات العام 2018 عمليات عسكرية كبيرة في جنوب وشمال سورية أدت إلى تغيرات جوهرية في العدوان على سورية ودفعت دول الناتو إلى الانحسار التدريجي،
حيث كان من أكثر سنوات الأزمة تسجيلاً للانتصارات السورية إذ انكشفت للعالم خدعة (الثورة والمعارضة)، وقد انهزم الإرهابيون في مناطق تمركزهم في جنوب سورية وفي وسطها، بينما هُزم تنظيم داعش الإرهابي في البادية ومحيط تدمر وجنوبي سورية وشرقها.
سيطر الجيش العربي السوري منذ بدايات العام المنصرم على بلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق وحي جوبر بعد سنوات من اختطافها من قبل المجموعات الإرهابية المدعومة من حلف الناتو وتركيا ودول خليجية وقد خرج آخر فلول الإرهابيين وذويهم باتجاه إدلب، بعد أن أمطرت تلك الجماعات دمشق بآلاف القذائف الصاروخية والهاون على مدى سنوات الحرب على سورية، والتي راح ضحيتها المئات من المدنيين بينهم أطفال ونساء وشيوخ. وقد حاولت المجموعات الإرهابية تأخير عملية تحرير الغوطة من خلال تمثيلية الكيميائي المعروفة، واتهام سورية بها وأدت إلى عدوان غربي على سورية من دون أي تحقيق مهني لمعرفة كيف استخدمت ومن استخدمها.
تركيا، أحد أطراف العدوان تذرعت بأمنها لتجابه وحدات قسد في الشهر الأول من العام 2018 وبعدها مباشرة أعلنت مع ما يسمى الجيش الحر وهو ميليشيا إرهابية عميلة لتركيا والغرب، تارة يتبع لداعش وتارة لجبهة النصرة الإرهابيين، أعلنت عملية احتلال عفرين وتشريد مئات الأسر السورية وقتل مدنيين ونهب المدينة وممتلكات المواطنين من قبل الجيش التركي والإرهابيين وتحديداً في 20-كانون الثاني منه تحت مسمى عملية غصن الزيتون.
وفي آذار منه نظف الجيش العربي السوري بمؤازرة القوات الرديفة والمقاومة منطقة القلمون الشرقي وجرى على أثره توقيع اتفاق بين روسيا وسورية وأطراف تدعي أنها معارضة على وقف القتال وتسليم سلاح الإرهابيين الثقيل وتمت تسوية أوضاع من أراد البقاء من خلال مركز داخل المنطقة. وفي نيسان من العام 2018 خرج وبقوة السلاح الإرهابيون من بلدات بيت سحم ويلدا وببيلا، بعد أن اتخذوا من المدنيين دروعاً بشرية لسنوات عدة.
وبعد شهر أي في أيار استسلم إرهابيو تنظيم «داعش» في مخيم اليرموك جنوب دمشق ومن الحجر الأسود بعد عملية تطهير للمنطقة دامت ثلاثين يوماً وخرج الإرهابيون إلى البادية السورية في الشرق الجنوبي لأرياف مدينتي حمص ودير الزور.
وفي شهر تموز تم إنقاذ أهالي مدينتي كفريا والفوعة من الحصار القاسي الذي فرضته جبهة النصرة الإرهابية عليهما ودام سنوات أعملت فيها الإرهابيون كل حقدهم على المدينتين الصامتين وكانتا يومياً تتلقيان قذائف الحقد، وتم الاتفاق على إخلائهم برعاية الجانبين الروسي والإيراني وفي الطرف الآخر الجانب التركي الداعم للإرهاب.
أما المنطقة الجنوبية حوالى القنيطرة وريف مدينة درعا فقد سقط الإرهابيون سريعاً رغم الدعم القادم إليهم من إسرائيل أو عبر الأردن وسلم الإرهابيون سلاحهم وغادر من لم يسوِ وضعه إلى إدلب، وتسلمت سورية معبر نصيب الحدودي مع الأردن والذي عاد إلى العمل في بداية آب اندحر عناصر داعش في الريف الغربي لدرعا وتحديداً في حوض اليرموك بعد عملية استمرت عشرة أيام. وعودة الجيش العربي السوري إلى الوحدات التي كان فيها قبل العام 2011 رغم أنف العدو الصهيوني الذي كان يشن الغارات دفاعاً عن الإرهابيين في المنطقة.
وفي منتصف العام شن داعش الإرهابي هجومه على مدينة السويداء وأريافها ما أدى إلى سقوط العديد من المدنيين بينهم نساء وأطفال، وقام الإرهابيون بعمليات تخريب ونهب قبل انسحابهم بفضل عمليات الجيش ومشاركة الأهالي في صد الإرهابيين، وبعدها وتحديداً في الشهر الماضي هُزم داعش وجماعات إرهابية تؤازره في تلول الصفا في شرق السويداء.
وكان الجيش العربي السورية يتحضر لعملية لتحرير إدلب، وهددت الجهات المعتدية الأميركية وحلفاؤها ولوحت باستخدام الأسلحة الكيميائية لاتهام سورية لعرقلة عملية تحرير إدلب وقد كشفت مصادر استخبارية روسية أكثر من سيناريو تم تصويره من الخوذ البيضاء الإرهابية وبإشراف قنوات إعلامية عربية وغربية وبدعم قطري إسرائيلي وخاصة أن قطر تدعم الإخوان المسلمين ضد سورية، ولكن كان بعدها اتفاق سوتشي الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلادمير بوتين، مع تركيا الذي انعقد في مدينة سوتشي الروسية في 17 أيلول الماضي، لإنشاء منطقة خالية من السلاح الثقيل حول إدلب، ولكن التنفيذ ماطلت فيه تركيا والإرهابيون الذين تدعمهم واستمرت الخروقات بشكل يومي، ولذلك غدا أنه لابد من عملية عسكرية سورية في إدلب لطرد كل الإرهابيين الأجانب الذين جلبتهم تركيا مع عائلاتهم لتوطينهم فيها وإيجاد هيكل إرهابي مؤيد لتركيا يتيح لها أن تستولي على خيرات المنطقة أو الاستيلاء على أراضيها بالأمر الواقع.
أما أميركا التي دمرت مدينة الرقة العام الماضي 2017 بذريعة محاربة داعش فقد استمرت بقصف المدنيين السوريين واستخدام الفوسفور الأبيض والذخائر العنقودية ضد المدنيين لتهجيرهم، علاوة على أن انسحاب أميركا من سورية سيكشف عن جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف الدولي ولاسيما العملية المتعلقة بتحرير الرقة إذ إنه قبل أيام وتحديداً في منتصف كانون الأول 2018 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته الانسحاب من سورية مسوغاً قراراه بأنه انتصر على داعش، وثمة حجة أميركية تقول كيف إن الدول الأوروبية تطالب واشنطن بتقديم تضحيات كبيرة أوروبا نفسها غير مستعدة لتقديمها، وانتابت ردود فعل الكثيرين من عناصر قسد الذين تحالفوا مع القوات الأميركية في ميادين القتال القلق والمخاوف وخاصة أن أردوغان يهدد بعملية ضد قسد بذريعة مخاوف أمنية تركية، وتعجب معظم الإرهابيين من تخلي الولايات المتحدة عنهم رغم أنها وعدت داعش بالاستمرار بمده بالسلاح، ويتوقع إن صحت المزاعم الأميركية أن تتوتر منطقة الشمال السوري وخاصة في عين العرب وتل أبيض ومنبج ورأس العين والقامشلي، وكذلك فإن عودة الجيش العربي السوري إلى الحدود العراقية سيؤدي إلى التخلص نهائياً من داعش الإرهابي، وعودة منطقة التنف إلى سورية.
الانتصارات السورية التي تؤكد أن إرادة شعوب المنطقة في الحفاظ على سيادة بلدانها أقوى من المخططات الخارجية كافة أدت إلى تغير الكفة بعد فشل مشروع الناتو في إقامة «شرق أوسط جديد أو كبير» حسب المصطلح الغربي، لم تحوّل فقط المسار العسكري للحرب المُستمرة منذ سنوات، بل ساعدت أيضاً على عودة سورية إلى الساحة الدولية والدبلوماسية بعد سنوات العدوان عليها، فسورية التي تحدد بدقة كيف يجب أن تكون مصالحها، تشهد تقاطراً من دول عربية ساهمت في العدوان على سورية أو قاطعت الدولة السورية بأوامر أميركية، وتلك الدول هي التي ترتمي في أحضان سورية وليس العكس، وهذا هو قانون الانتصار عبر التاريخ، فكانت زيارة الرئيس السوداني إلى سورية، وفتح سفارة الإمارات العربية المتحدة في الخميس 27 كانون الأول بطلب رسمي قدمته إلى سورية، وكانت مملكة البحرين أعلنت، في وقت سابق أمس يوم الجمعة الماضي، استمرار عمل سفارتها لدى الجمهورية العربية السورية؛ لافتة إلى أن «السفارة السورية في العاصمة المنامة تقوم بعملها المعتاد» والزيارة المزمعة للرئيس الموريتاني في 10 كانون الثاني القادم.
وربما تجد بعض الدول التي ساهمت في العدوان فرصتها للتنصل من دعم الإرهاب، وخاصة أن سورية بحسب مصادر وضعت 615 شخصاً و105 كيانات أجنبية وعربية على «قائمة محلية» أصدرتها مؤخراً «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، استناداً لقراري مجلس الأمن 1267 و1373.
والراجح أنه بقي لعودة سورية دولة موحدة على كامل أراضيها قيد أنملة وربما الأدوار التي يلعبها التركي الآن وخاصة إذا انسحبت أميركا من سورية هي أن ينسب لنفسه إنجازاً يغطي على فشله في السنوات الماضية وعلى دعمه للإرهاب.
منير الموسى
التاريخ: الأثنين 31-12-2018
رقم العدد : 16874