الملحق الثقافي:
من الصفحات الأولى تدرك أن الشاعر هاني نديم يمتلك ناصية اللغة، ويحثنا على الدخول إلى الكتاب عبر مانفيست أول:
لم ينتصر أحد لوحشته
لا
مال ولا ولد
لم يسهر الخلق جراه
لم
يختصم
أحد
وفي المانفيست الثالث يرتقي بصوره الشعرية إلى أفق آخر، ويتورط هو أيضاً، بالتسامي بلغته وتشابيهه:
متوج بالعواء والحكايا
كل القناديل التي ترى
تحكيك
الجثة النافقة تحت جسر الحسد
أنت قتلتها
الدماء على الحجر من بقايا قتلاك
«عبد المقصود الذي لم يعد إلى الديار
في أحشائك
أنت نهاية كل القصص
وبداية كل التعاويذ.
الإنسان ذاكرة، وهذا ما يميزه عن باقي المخلوقات، والذاكرة لا يمكن لها أن تترك صاحبها متى شاء. إنها تحضر عنوة وتستولي على الآن لتثبت أنها هي التي صنعت تاريخ صاحبها ومستقبله. وهكذا فإن هاني نديم يعود بذاكرته إلى أيام سالفة، أو لنقل، إنها تحضر من تلقاء ذاتها وتحفزه ليكتب ما يشعر به. إنه أسير تفاصيل أيامه السالفة، وكذلك فهو يخلق من هذه التفاصيل عبارات وجد رشيقة:
شبتُ باكراً
كما يليق بذئب وحيد
غادرته الظباء
على أسف مشيت
ومشى خوفي معي
والخوف مشّاء
عرفت كل شيء
لكنني – كالناس – خطّاء
ونسيت كل شيء بعدها إلا الميتين!
كلما قلت إنهم ذهبوا
حملوا سلال ضحكاتهم
وجاؤوا.
الحزن قدر الشعراء وقدر المتأملين، وهنا يصف هاني نديم حزنه بطريقة حميمة وكأنه يستجدي الأشياء لتخرجه من حزنه:
كنت أتجول في حزني
حين لمحتني امرأة
شعرها طويل
وعنقها طويل
وحزن ملامحها طويل طويل
كنت أنقر بقدمي
حصى الأرض الحزينة
حينما رأتني
فتحرك حليب ثدييها ككل أم
ماذا كنت أقول؟
نعم
كنت أتجول كالممسوس في حزني
أنقل الأحجار من اليمين إلى اليسار
ثم في الليل
أنقل ذات الأحجار
من اليسار إلى اليمين
لا لشيء
سوى أني
أتجول في حزني.
وحين يتحدث عن جمال المحبوبة فإنه يعلن قصور لغته عن وصفها:
فادح هذا الفرق
بين جمالك وبلاغتي
أتحاشى جمالك المجنون كالمديون
أقاوم كماله بنقصي
جلاله برقصي
أتشاغل بالنكات
والثرثرات العابرة
وأقيس أحرفي البلهاء بالمسطرة
أكتب إليك اليوم مما ظل في رئتي
أذهب إليك بكل معاجمي
وأعود منك ناسياً لغتي.
إنها سيرة شعرية للحزن، سيرة شاعر مثقل بالحب وبالجمال، وهو يتلوها على مسامع قرائه كأغنية جميلة.
-كونشرتو الذئب- سيرة شعرية لحياة ذئب أشقر
-الكاتب: هاني نديم
-الناشر: دار نينوى، دمشق
التاريخ: الثلاثاء 8-1-2019
رقم العدد : 16879