في مختبر التجارب الصعبة مازلنا نمكث كفئران تجارب داخل اقفاص بشرية, نتعرض لمزيد من الامتحانات المجحفة لاختبار درجات التحمل, ومدى الصبر وطول الاستمرار والقدرة على المقاومة, في ظل ظروف بالغة الصعوبة جسديا ونفسيا, فمن تجارب التعايش مع نار غلاء الأسعار, إلى ازمة مواصلات في أوقات الذروة جعلتنا نتقن الجري والقفز والتعلق وجلوس القرفصاء حشرا داخل مواصلاتنا العامة غير الصالحة للاستهلاك البشري, إلى تقنين كهربائي في حر صيف جعلت أجسادنا تذوب داخل ملابسنا, إلى فقدان غاز مزمن في أربعينية وخمسينية الشتاء, وتقنين جائر لم تشفع لنا هجمات برد مثلج في بعض الرحمة من إيقاعات تراجيدية مديدة لساعات انقطاع بائسة.
وها قد اتت «نورما» ورحلت والارتجاف والانتظار حال أجسادنا ومدافئنا تترقب يائسة, والوعود الدافئة ما زالت تعد بدفء قادم عبر البحار.
حالنا في التأقلم يثير دهشة مراقب في بلدان اللجوء أولئك المتكئين على أرائك الكسل والاتكالية, مسترخين على مساعدات لاجئين لهثوا إليها برا وبحرا وجوا, ويرددون «عندكم وعنا» وكأنهم ولدوا أبا عن جد في بلاد العم سام.
نعم تحدياتنا الحياتية لاتعد ولاتحصى, والحديث عن يومياتنا المرة يستنفد أرواحنا شدة وتحملا و انتظارا, ويستهلك أجسادنا عناء في طوابير لعناق حار لجرة غاز, ورفع اشارة النصر عند الظفر بها, وينهك أعصابنا في حساب جدول تقنين ثلاثي ورباعي أوخماسي, ولكن في ذكاء التأقلم وابتكار البدائل لا يجارينا أحد, فأتقنا الطبخ على الحطب وفرك اليدين لبث الدفء في الجسد, واستبدال المدافئ بكثبان صوفية من الثياب والبطانيات, ومن عذاباتنا نسجنا قصصا فكاهية ساخرة ونكتا ضاحكة في كوميدية سوداء لواقع معاش, ثم نضحك فنحن في بلاد الشمس التي لا تعرف الغياب..
منال السماك
التاريخ: الأحد 13-1-2019
الرقم: 16883