تجددت الاعتداءات الاسرائيلية على سورية رفضاً لاعتراف بهزيمتها وفشل خططها على مدى ثماني سنوات، خاصة بعد قرار الانسحاب الامريكي الأخير الذي دق إسفين المرارة والخيبة في جسد الصهاينة الذين كانوا يعولون على أمريكا بإبقاء قواتها المحتلة على الاراضي السورية بحجة حماية أمنهم المزعوم! لكن هذه المرة كان طعم الاعتداء يتجرع مرارة الخوف والهلع من انتصار محور المقاومة، وعليه جاء العدوان الأخير على مطار دمشق مبرراً وله خلفيات تعود وفقاً لقراءة ما بين السطور للمحللين «الإسرائيليين»، فهم نقلوا القلق شديد لمسؤوليهم حيال واقع استمرار واشنطن إظهار عزوفها عن اللجوء إلى القوة العسكرية في الشرق الأوسط وخاصة ضد سورية كما أنهم يتساءلون عمّا ستفعله الإدارة الأمريكية إذا جددت إيران برنامجها النووي، والسؤال الذي طرحه هؤلاء، هل تعتبر واشنطن ذلك بمثابة خط أحمر يرغم الولايات المتحدة على اللجوء إلى الخيار العسكري، أم تتوقع من إسرائيل أن تتولى معالجة هذه المشكلة؟
مع بدء تنفيذ أمريكا لسحب قواتها من سورية ارتفع مستوى التهديد بالنسبة لإسرائيل من محور المقاومة ، والتي وجدها المسؤولون «الإسرائيليون» فرصة لزيادة قوة هذا المحور عبر سورية وتمدد البنية التحتية العسكرية بشكل أكبر داخل سورية ولبنان ، وهو كان السبب الأكبر وراء العدوان الجديد على سورية وما سبقه من اعتداءات، فجيش الاحتلال لم يعد يرى أي خيار لديه بعد الانسحاب الامريكي سوى أن يرد بنفسه.
بالعودة إلى الأسباب الحقيقة في تكثيف الاعتداءات «الاسرائيلية» على سورية، التي تزامنت مع عودة واشنطن لسحب قواتها بشكل فعلي، حرص المسؤولون الإسرائيليون على عدم انتقاد تحركات الرئيس الأمريكي ، بالمقابل أظهروا، ضمناً، استياءً وقلقاً ورغبة في تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من الوضع ، ووفقاً لبعض الخبراء» لقد كان الرد العلني الأولي لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو فاتراً، إذ أشاروا إلى أن إسرائيل تزعم استمرارها في رعاية مصالحها الأمنية ومحاربة محور المقاومة بحجة إيران.
وقد قلل بعض المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين بامتعاض من شأن إعلان ترامب، مؤكدين أن القوات الأمريكية التي كانت متواجدة في سورية لم تكن فعالة بل كان عددها قليلا، حيث قال «الاسرائيليون» بأن قلة عدد هذه القوات حملتهم لوحدهم عبء مهاجمة المقاومة، كما ركزوا على أن واشنطن ستدعم إسرائيل حتى لو تم سحب القوات الأمريكية.
المخاوف الإسرائيلية
صنف الكثير ممن يدعون أنهم أصحاب قرار « إسرائيلي» وضع قرار ترامب ضمن سياق المسار الأمريكي المتصوَّر للانسحاب من الشرق الأوسط، حيث قررت واشنطن على ما يبدو تقليص وجودها العسكري بسبب عوامل مختلفة أبرزها التكلفة الكبيرة لدخولها الحروب في المنطقة، وانخفاض الاعتماد على موارد الطاقة في الشرق الأوسط، والرغبة في العودة إلى الشؤون الداخلية مع تحويل التركيز نحو الشرق الأقصى، بالتالي، يشعر الإسرائيليون بالقلق من احتمال إضعاف عنصر مكمّل هام لردعهم الاستراتيجي ومرساة الاستقرار الإقليمي، من وجهة نظرهم.
وفي الغالب، تنظر إسرائيل إلى القرار الأمريكي من خلال منظور التهديدات الأكبر لأمنها المزعوم – وتحديداً، «برنامج إيران النووي»، التي تجد أنه نتيجته ستكون كارثية عليهم، وهو ما يعملون على مواجهته.
بالمقابل خيب القرار الأمريكي الآمال الاسرائيلية كون واشنطن لم تعد ترى من بسورية مكاناً لمصالحها، لكنهم كانوا ينتظرون أن تقوم الإدارة الأمريكية بدمج أصولها وأنشطتها العسكرية الموجودة في سورية في استراتيجية متماسكة لمنع محور المقاومة من التمدد، وقد أحيا هذه الآمال كبار أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس ترامب، إلا أن الرئيس الأمريكي بدّد هذه الآمال على نحو مفاجئ، فربط قرار الانسحاب بالحرب ضد «داعش» وليس بما يريدون بان يكون ضد المقاومة ومن خلفهم « ايران».
ويشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق لأن الانسحاب الأمريكي سيؤثر على منطقتين رئيسيتين وفقاً لهم هي: «قاعدة التنف، والمنطقة العازلة المحيطة بها في جنوب شرق سورية التي يبلغ طولها خمسة وخمسون كيلومتراً، وتقع على الطريق الاستراتيجي بين بغداد ودمشق، والمنطقة الثانية التي حاولت واشنطن جعلها «فدرلة كردية» شمال شرق سورية.
فيما أكد هؤلاء المسؤولون أنهم أذعنوا للخطة الأمريكية التي تعد شريكة وحافظة لأمنهم، لكن هذا لن يمنعهم من مواصلة اتخاذ إجراءات ضد محور المقاومة بحجة ايران، وسيسعون للحصول على ضمانات أمنية أمريكية إضافية، تشمل الاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، وبينما تبدو الإدارة الأمريكية متنبهة لبعض هذه الأوامر وتبذل جهداً كبيراً للتخفيف من الانطباع الإقليمي السلبي لقرار الرئيس ترامب، إلا أن الآثار الطويلة الأجل المترتبة على الوضع لا تزال تلوح في الأفق في الأراضي المحتلة، والتي قد تدفع بهم إلى مزيد من الاعتداءات على سورية.
الثورة – رصد وتحليل:
التاريخ: الأحد 13-1-2019
الرقم: 16883