التدخلات الأميركية وتصرفاتها الفجة والوقحة أضحت لا تحتمل حتى بالنسبة لحلفائها خاصة الغربيين، وفرض أوامر وشروط على ما يخص حياتهم وسياستهم أصبح من غير المقبول الولوج في تفاصيلها إذا ما زادت تلك التصرفات عن حدها وتجاوزت ما هو مسموح بها، ليكون التهرب من مقابلة المسؤولين الأميركيين قدر الإمكان الطريق المتبع حالياً.
هذا الرفض لأن تكون أميركا شرطي العالم كما تسمي نفسها وبما يجوز ولا يجوز مع اعتبار نفسها «أميركا أولاً، لن يسير وفق أهواء سياستها وما تقرره مصالحها، وهو ما تكشفه تصرفات السياسيين الألمان حالياً تجاه المسؤولين الأميركيين الذين يحاولون التدخل في شؤون بلادهم، والذي كان محط ما كشفت عنه مجلة دير شبيغل، من أن النخبة الحاكمة بألمانيا تحاول بكل الطرق تجنب سفير أميركا في برلين، ريتشارد غرينيل، لذلك هو في عزلة سياسية، بسبب محاولته التدخل الفج بالشؤون الداخلية للبلاد.
هذه التصرفات المسيئة والتي تؤكد أن أميركا لا تحترم حتى من تعتبرهم حلفاءها وصلت وقاحتها بالسفير الأميركي على وجه الخصوص لبعث رسالة إلى الشركات الألمانية يحذرها فيها من احتمال فرض عقوبات عليها من قبل واشنطن بسبب دعمها بناء خط أنابيب الغاز «نورد ستريم-2» (السيل الشمالي-2) الذي سينقل الوقود الأزرق من روسيا إلى أوروبا عبر ألمانيا، وفقاً لما ذكرته صحيفة «بيلد ام سونتاج»، التي تتابع هي الأخرى المشهد السياسي وتفاصيله في البلاد.
وبرأي الألمان فإن سفراء أميركا كان لهم دائماً مكاناً خاصاً بين الدبلوماسيين، وكانت لديهم علاقات وثيقة ومميزة مع ممثلين عن مكتب المستشار الاتحادي ووزارات مهمة في ألمانيا، حيث رد السياسيون الألمان دائما بإيجابية على دعواتهم، كالسفير الأميركي السابق فيليب مورفي، بعكس خلفه الحالي غرينيل الذي يتمتع بسمعة مختلفة تماماً، وهو ما دفع الرئيس السابق للديمقراطيين الاجتماعيين في ألمانيا، مارتن شولز، لوصف هذا الدبلوماسي الأميركي بأنه «ضابط استعماري» في اليوم الذي تولى فيه هذا السفير منصبه، بسبب مطالبة الأخير الشركات الألمانية بتقليص أنشطتها في إيران.
ففي برلين تحول هذا السفير إلى شخص غير مرغوب به بالنسبة للكثير من الناس.. المسؤولون في السلطة يتجنبونه ويغلقون أبوابهم أمامه.. كما أن القلّة الموجودة على يسار بديل ألمانيا والاتحاد المسيحي الاجتماعي فقط ترغب في مقابلته، وحتى المستشارة أنجيلا ميركل تبقيه على مسافة، كتبت الصحيفة، وأضافت: إنه على خلفية الفضيحة التي أثارها مراسل صحيفة «كلاس ريليوتيوس»، ألقى غرينيل باللائمة على المشاعر المعادية لأميركا، وزعم أن الصحفيين لم يكلفوا أنفسهم عناء النظر ببعض القضايا التي طالبتهم السفارة الأميركية بها. ومع ذلك، ذكرت الصحيفة أنها حاولت محادثة غرينيل منذ بداية كانون الأول، لكن هذا لم يحدث بعد.
ووفقا للمجلة فإن كثيراً من السياسيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال الألمان يصفون غرينيل بأنه رجل لا يتحمل الانتقادات ويعاني النرجسية، وليس لديه أي فكرة عن ألمانيا وأوروبا.
وكالات- الثورة
التاريخ: الأثنين 14-1-2019
رقم العدد : 16884