ثمة إشكالية أحياناً في توجيه العقل البشري باتجاه يريد أن تخضع له كل الأمور ووفقاً لما يشتهي ويلبي رغباته فقط. وأكثر من ذلك عندما تذهب بعض الرغبات أحياناً إلى أن تكون على قياسه، والأخطر عندما تكون بعض المقاييس مطلقة بلا حدود وضوابط وبعيدة عن الواقع على حقيقته. مناسبة هذا الكلام ما نشهده عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قصص وحكايات وبوستات يعتقد أصحابها أنهم يمارسون من خلالها النقد أو أنهم أكثر حرصاً من غيرهم على المصلحة العامة، إلى درجة وصلنا إلى مرحلة الإفراط في ممارسة حرية التعبير ولا سيما عندما تبدو المسافة بعيدة جداً بين ما نشهده وبين أصول النقد ونوايا الرغبة في الإصلاح.
وإذا كانت مثل هذه القصص الفيسبوكية تتوجه معظمها للحكومة متهمة إياها بالتقصير فإن الحكومة من جانبها ربما تعتبر ما يحدث تجاهلاً لما تقوم به وما تدلل عليه بالأرقام والإحصائيات على حسن الأداء وأحياناً تعزو التقصير في بعض الجوانب للظروف الصعبة منذ ثماني سنوات وحتى الآن مع الإشارة إلى أن هناك من ينظر إلى هذا التبرير على أنه أصبح شماعة لكل تقصير.
ونعتقد أن أصل الحكاية هنا في فهمنا للنقد، كيف يكون، وماذا يراد منه، وكيف نمارسه، ولعل القاعدة الأساسية في النقد البناء هي الابتعاد عن المبالغة، سواء في المدح والإطراء أم في تشخيص الأخطاء والإشارة إليها. وإذا نظرنا إلى نماذج من ممارسة النقد في حياتنا نلاحظ أن ثمة عشوائية في التقييم لدى البعض، وهناك من يطلق الأحكام المسبقة، والبعض الآخر يقع في فخ الخلل بين التسديد والتصويب، فربما تكون النوايا والمقاصد أحياناً حسنة، لكن نتائج التسديد يظهر عكس ذلك الأمر الذي يتطلب التذكير هنا بضوابط المنهج العلمي للنقد بعيداً عن الأهواء والرغبات والتعنت بالرأي.
لقد انتصرنا على قوى ظلامية وحرب ظالمة ونجحنا في إسقاط أكبر مؤامرة شهدها التاريخ وقدمنا بصبرنا وصمودنا وحبنا لوطننا دروساً في التضحية والشجاعة والفداء بفضل وعي شعبنا وبسالة وبطولات جيشنا فهل يصعب علينا اليوم أن نعرف كيف نتعامل مع بعضنا وكيف نسهم في تجاوز الصعوبات وإصلاح الأخطاء بدلاً من جلد الذات.
هل نحن اليوم بحاجة إلى وقفة للتأمل والتفكير لتعزيز وتصويب مسار النقد في حياتنا وتوظيف نتائجه في الحياة العملية لتجاوز الأخطاء وتصحيحها والاستمرار بخطوات واثقة نحو الإعمار بالتوازي مع الانتصار، علينا أن نتذكر دائماً أن مصلحة الجميع عندما تكون نتائج النقد هي تقويم السلوك والفكر وتحسين الأداء والارتقاء بواقع الحال نحو الأفضل وبالمقابل مطلوب من الحكومة أن تتعامل مع كل ما يتداوله الناس بكل اهتمام وتواجهه بالعمل على تجاوز منغصات الحياة من انقطاع الكهرباء وأزمات الغاز والحليب والأهم مستوى معيشة المواطن. ولعل الأهم هو أن ينظر المسؤول إلى المواطن أنه مسؤول أيضاً هو البوصلة. وبذلك نسهم في صياغة تفاعل مثمر بين المواطن والمسؤول يتعامل مع وقائع الحياة على حقيقتها بموضوعية وحرص مشترك بعيداً عن أي واقع افتراضي ولا سيما بعض القصص والحكايات الفيسبوكية التي تذهب بعيداً في معظم الأحيان عن حقائق الأمور. وبذلك تتحقق الشراكة الفعلية في تصويب الواقع الفعلي وليس الافتراضي.
يونس خلف
التاريخ: الثلاثاء 15-1-2019
الرقم: 16885