واشنطن تدس سموم «منطقة عازلة» في طبخة حماية ميليشيات الانفصال…ترامب يفرد أوراق صفقته مع أردوغان .. والميدان السوري محرقة أوراقه
رغم خلبية التصريحات والتهديدات والمبارزات الكلامية الهزلية التي تم تعويمها على سطح الاعلام للايهام بان شرخا حادا في العلاقات الاميركية التركية حاصل الا انه لم يكن مخفيا ان كل ما يتم استعراضه بهلوانيا من قبل الرئيس الامريكي دونالد ترامب ليس الا فقاعات واكاذيب يجري بهرجتها وتضخيمها للاستهلاك الاعلامي فقط ،فواقع الحال بالافعال يؤكد ان التعاون الوطيد بين انقرة وواشنطن في الاهداف والاستراتيجية لم ينقطع يوما على مر سني الحرب التي استهدف بها سورية وذلك لتلاقي الاطماع الاستعمارية ، فالتناقض في التصريحات والتذبذب في المواقف أصبحت سمة مرافقة لترامب، بالمقابل فان الوصولية والانتهازية والاستدارة حسب الاطماع هي طابع النظام التركي.
ففي لهاث محموم لتمرير مشاريع استعمارية مبتغاة لدى الطرفين الغارقين في وحل أوهامها إلى اللحظة الراهنة، يقامر الأفعوان الامريكي مجددا ظناً منه أن الجو في الشمال والشرق السوريين مناسب للصيد في عكر الاوضاع الفوضوية، واعادة اغراء ميليشيات الانفصال بمنطقة حماية اميركية وحتى التلويح لها بجزرة الفدرلة ، خاصة أن المحتال الاميركي محترف باللعب على المغريات وتقديمها على طبق من قش أوهام للسائرين في ركب تآمره على وحدة الاراضي السورية، مراهنا على ان ميليشيا قسد وغيرها من المطبلين والساعين لمشاريع تقسيمية ستبتلع الطعم الاميركي الجديد المسموم وستكمل مسيرة احتراقها على تخوم مشهد الطمع الاميركي.
أما اللص التركي الذي يحترف الخداع بالسياسة ويضرب عرض الحائط بتعهداته الدولية، مجاهراً بفجوره العدواني التوسعي على الارض السورية، وكلما سنح له الوقت الارهابي باقتناص الفرص العدوانية نفث سمومه وخبث غاياته تحت ذرائع واهية ، هو الآخر يستميت طمعاً متأرجحاً على حبال الاحتيال بالذرائع، تارة بحجة أمن تركي مزعوم وتارة يرفع راية النصرة الارهابية لعرقلة تنفيذ اتفاق سوتشي.
إلا أن للميدان السوري القول الفصل، فالنصر على الإرهاب ودحر الاحتلال هما جوهر الحسم في الاستراتيجية السورية، الأمر الذي سيدركه الاميركي والتركي مرغمين ، كما أن وحدة سورية خط أحمر غير قابل للتجاوز أو المساومات الرخيصة ولا رجعة لعقارب ساعة الانتصار إلى الوراء في السياسة والميدان في تقويم الإنجاز السوري.
وفي التفاصيل وبعد الضجة المفتعلة لتهديدات ترامب للنظام التركي بعقوبات اقتصادية في حال شن هجوما على ميلشيات الانفصال المدعومة اميركيا، عاود الرئيس الامريكي مجددا ليتراجع عن موضوع التهديد والوعيد مؤكدا ان العلاقات بين تركيا وامريكا في احسن احوالها وان التنسيق بين شريكي الارهاب مستمر ليصبح مشهد التهديدات الوهمي مليئا بالمفارقات الهزلية، ولتتكشف بهذا الخيوط الخفية للمؤامرة الجديدة بالظهور، حيث أعلن البيت الأبيض أن ترامب ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان اتفقا على استمرار التعاون في سورية «أي مواصلة دعم الإرهاب»، زاعما أن القوات الأمريكية المحتلة ستنسحب من سورية حسب جدول زمني لم يحدده.
المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز كانت قد اشارت الى أن ترامب واردوغان أجريا مكالمة هاتفية أكد خلالها ترامب أنه يتفهم المخاوف الأمنية لتركيا في سورية، بالرغم من أنه أكد سابقاً على رفضه لمهاجمة تركيا للميليشيات الكردية المدعومة من قبل واشنطن في سورية، مبينة أن ترامب اقترح إنشاء منطقة «آمنة» على الحدود السورية التركية، ليأتي الرد التركي على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، ان بلاده لا تمانع إنشاءها بالتعاون مع واشنطن، الامر الذي يوضح المؤامرة الخبيثة المتفق عليها بين واشنطن وانقرة ومساعيهما لفرض واقع احتلالي او تقسيمي مشوه على الخريطة السورية الامر الذي كان يسعى النظام التركي منذ بداية الازمة المفتعلة في سورية لتكريسه بادعاءات امن تركي مزعوم وطبعا الغاية توسعية عدوانية بحتة يلهث لتحصيلها اردوغان واهماً.
تسارع هذه االاحداث وحدة الاستدارات في المواقف الاميركية بعد يوم واحد فقط من تهديد كاذب بتدمير تركيا اقتصاديا ياتي ضمن اعادة اللعب الاميركي على ورقة الانفصاليين الذين كانوا طويلا حربة واشنطن لتخويف النظام التركي واعادتهم الى بيت الطاعة الاميركية بعد ان لاح في الافق السياسي ان تفاوضا بينهم وبين الدولة السورية قائم للعودة عن ضلالة تبعيتهم وارتهانهم الاعمى لاميركا وفي الوقت الذي بدأ مسار التفاوض بينهم ويبن الدولة السورية يستكمل الامر الذي لم يلق استحسانا اميركيا فراحت تراوغ من جديد مقدمة اغراءات الحماية لهم بشرط قطع عودتهم واتصالهم مع دمشق وتهديد أنقرة في الوقت نفسه لحماية «ميليشات الانفصال»، لتؤكد بهذا واشنطن خبث نيتها المبيتة واستخدام ورقة ميليشيات الانفصال لخدمة اجندتها الاستعمارية.
أردوغان الوصولي الانتهازي تلقف خبر انشاء «المنطقة العازلة» المطروح اميركيا بترحيب متبجحا ان لاخلاف في الرؤية بينه وبين ترامب مشيرا الى انهما توصلا لـ»تفاهم له أهمية تاريخية بشأن إقامة منطقة عازلة في سورية».
ونقلت وسائل اعلام تركية عن أردوغان قوله أمام الكتلة البرلمانية لحزبه الديكتاتوري الحاكم «العدالة والتنمية» إنه أبلغ ترامب بأن تركيا ستقوم بدورها لتسوية الأمور المتعلقة بسورية حسب ادعاءاته، زاعما بأن تركيا تعطي أولوية لمحاربة فعالة لتنظيم داعش الارهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية في سورية الذي يمد لها النظام التركي سبل ارهابها واجرامها في سورية مكملا تبجحاته بكل وقاحة أن أنقرة ترحب بأذرع مفتوحة بكل من يفر إليها من سورية من بطش وتنكيل الميليشيات الانفصالية متناسيا قمعه وتنكيله بالسوريين في عفرين وغيرها من المناطق السورية التي طالها ارهابه وارهاب الفصائل التي تأتمر بأمره.
الا انه رغم الترحيب التركي بما صرح به ترامب عن «منطقة عازلة» متفق عليها بين شريكي الارهاب لم تخرج مواقف مباشرة من قبل مايسمى «مجلس سورية الديموقراطية» أو «الوحدات الكردية»، حول تغريدة ترامب تلك، فيما تشير الأجواء هناك إلى وجود تعويل على مسار التفاوض مع دمشق.
بين زحمة المشاهد وتشعبها يبقى الجيش العربي السوري يرسم خرائط تحركاته على امتداد الجغرافيا السورية حيث بدأ بنشر تعزيزاته العسكرية على الخطوط المتاخمة لمنطقة الاتفاق في ريف حماة الشمالي، وتحديدا قطاع (محردة ـ الزلاقيات) الذي يعد أحد أهم المحاور في تلك الجبهة تبعا لتقارب خطوط التماس الضيقة حيث لا تبعد وحدات المقدمة للجيش السوري سوى كيلومترات قليلة عن المعسكر الرئيسي لارهابيي تنظيم جيش العزة في بلدة اللطامنة، ولطالما حاول الارهابيون تنفيذ عدة هجمات باتجاه مواقع الجيش العربي السوري عبر هذه المحور.
مصدر عسكري أكد أن بدء العمل العسكري لاستكمال مهام التحرير على جبهتي ريف حماة وإدلب، سيكون حاسما وخاصة بعدما فشل الطرف التركي بتنفيذ التزاماته وفق بنود اتفاق (سوتشي)، بما في ذلك إحجامه عن الضغط على التنظيمات الإرهابية لإنشاء المنطقة منزوعة السلاح وإخلائها من الإرهابيين والأسلحة الثقيلة، مؤكدا ان من أولويات العمل العسكري للجيش السوري في ريفي حماة وإدلب هو حماية المناطق السكنية القريبة من الجبهات وإبعاد الارهابيين عنها، وأكد المصدر ان الجميع يعلم أن معركة إدلب هي معركة مصيرية ولعلها الاهم في المشهد الميداني السوري.
الثورة- رصد وتحليل
التاريخ: الأربعاء 16-1-2019
رقم العدد : 16886