بين الأمس واليوم

يكثر الحديث هذه الأيام عن شتويات الأمس وشتويات هذه الأيام.. وفي كل مرة تجري المقارنة يستفيض الناس بالحنين إلى الأيام الخوالي حيث لم يكن البرد قاسياً هكذا، ولم يكن المطر مدراراً، يغمر الأرض ويحولها إلى بحيرات مائية تتلف الزرع وتقضي على المحاصيل.
والحقيقة هي غير ذلك.. فالبرد كان وما زال، والمطر الغزير والعواصف كانت وما زالت، وكلنا نذكر في مدينة جبلة كيف صعد البحر إلى الرصيف، وخرّب المقاهي البحرية، وجرفها ورماها إلى قاع اليم الغاضب.. ونذكر أيضاً الإعصار الذي ضرب معمل الغزل آخذاً في طريقه الأسقف الزجاجية والقطن الزجاجي وألواح التوتياء التي وصلت إلى الريف البعيد.
لكن للناس الحق في أن تقارن الأمس باليوم.. وتعتبر الأمس أكثر رأفة ودفئاً.. حيث لم يكن الأمس يشكو من انقطاع (المازوت).. ولم تكن المدافئ تتوقف لأن المحروقات كانت متوفرة.. ولم يكن المواطن يذلّ من أجل عبوة غاز… فمن ينظر إلى الساحات التي يوزعون فيها جرار الغاز يظن أن هناك حفلاً خطابياً لمسؤول كبير جاء ليعد المواطنين ويتحرى أحوال الناس الموجوعين.
لكن الوعود كثيرة ومريرة وتغزّ في صميم الإنسان السوري الذي اضطر أن يحرق ثيابه وأحذيته ذات شتاء كي يتدفأ عليها.. والأمر لا يتوقف عند المحروقات.. بل هناك الكهرباء وهذه لها قصة طويلة من المرارة والألم.. لقد مرت السنوات الثماني من الحرب ونحن نأمل الخروج من هذه الأزمات الصغيرة الخانقة.. لدرجة أن المواطن لم يعد يحلم ببناء بيت.. ولا بشراء سيارة.. ولا بالحصول على شهادة جامعية.. الحلم هنا هو أن نحصل على ربطة خبز غير مخصصة لعلف الحيوانات.. كما في فرن جبلة الآلي – ونحصل على جرة غاز وبيدون مازوت على الأقل ليتدفأ الصغار الذين ضربتهم الانفلونزا اللعينة وجعلتهم يرتجفون من البرد والألم لأن الأدوية (وهذا ليس سراً) لا تتوفر فيها المواصفات الطبية ولا تحتوي على المادة الفعالة المطلوبة.. مثلها مثل الأدوية الزراعية ومثلها مثل المواد الغذائية والصناعات البنائية.
نعم.. برد اليوم أكثر ضراوة من برد الأمس وجوع اليوم أكثر فتكاً.. لأن الفساد اليوم أكبر من فساد الأمس.. في السابق كان الفاسدون يدارون.. وكانوا يختبئون وراء الشعارات الوطنية البراقة والإخلاص.. أما فاسدو اليوم فهم عينك.. عينك.. لا يخجلون…
صحيح هي الحرب.. الحرب التي تحدث عنها ابن خلدون وما تخلفه من آثار وعقابيل اجتماعية ونفسية ومادية وخراب.. ولكن ماذا نقول لأطفال يتامى ينهشهم البرد بعد أن مضى والدهم إلى الشهادة؟ ماذا نقول لأم قدمت فلذة أكبادها من أجل الوطن والوطن لا يؤمن لها جرة غاز؟.
وماذا نقول للريف الفقير المعذب الذي دفع بشبابه إلى الحرب تاركاً أرامل وثكالى ويتامى دون كهرباء ودون ماء ودون طرقات لدرجة أنني رأيت بأم العين آباء الشهداء يقفون على باب مسؤول علَّ هذا المسؤول يتكرم عليهم بلقائهم وسماع أوجاعهم.. وكم من المرات يرفض دخولهم إلى مكتبه متذرعاً بأنه غير موجود أو أنه في اجتماع.. وهل هناك من اجتماع أهم من لقاء أب قدم ابنه للوطن؟.
إن الخوف يتعاظم كل يوم من أن ينسى المسؤولون من دافع عن الوطن ومن جُرِح في سبيل الوطن ومن ترك أولاده على قارعة اليتم من أجل الوطن..
وللحقيقة.. لا شيء أضيفه سوى أن أصرخ (آخ يا وطن)

 

أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 16-1-2019
رقم العدد : 16886

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة