في كتابه «ألف باء»، يذكر جيل دولوز جواباً على أحد الأسئلة أن («الأدب العظيم» و«الفلسفة العظيمة» يقدمان شهادة على الحياة)..
ولمّا كانت إحدى مهمات الأدباء الكبار، برأيه، تتمثل «بإخبار فيض من حياة».. يشي الأمر بأن ثمة فراغاً في الحياة نفسها.. يأتي الأدب، وإلى جواره الفن، ليملأه سوياً.
ألا يعيد كل من الأدب والفن التوازن إلى الحياة..؟!
ماذا عن حياةٍ شوّهتها أزمات الحرب..؟
يمكن للإبداع أن يخلق داخلنا قدرة هائلة على تحطيم وتكسير كل الجدران التي تحتجزنا.. فما هي سمات إبداعٍ قادرٍ على انتشالنا من فظائع الحروب ونتائجها..؟
في أحد مؤلّفاتها تنبّهت الكاتبة أناييس نن إلى أن «الإنسان ليس وحدة محدودة، سكونية، متبلورة. إنه سائل في حالة مطّردة من الجريان، والتطور، والفعل وردّ الفعل، والسلبية والإيجابية»..
فيكف يمكن لهذا السيولة والجريان والتطور أن تتخلق أيام قحط الحرب..؟
من الطبيعي أن تكون ذائقة المرء تغيرت واختلفت بين فترتي ما قبل حرب وما بعدها..
هل يرافقها تغيّرٌ على صعيد فكره وذهنيته..؟
وبالتالي كيف يمكن لوجهي الإبداع، أدباً وفنّاً، مواكبة جريان المرء في مكان، وسكونيته في آخر..؟
هل يمكن لطباع الحروب أن تخنق حركة شاملة وكلية تشتمل مختلف تشكّلات كينونة الفرد المطحون في عجلتها..؟
لعل الحرب فترة زمنية تكون فائقة الثراء لجهة التخييل.. لكن هل تكون بذات الوقت فائقة الثراء معرفياً..؟
ربما كانت مجدبة في كل شيء لكن ثراءها الأكبر يتمثل بفئة وصفها جيل دولوز بقوله: «ليست حقيقة الفقر هي ما أجده مزعجاً، بل بالأحرى وقاحة وصفاقة الناس الذين يقطنون الفترات المجدبة، فهم أشد شراً بكثير من الناس الملهَمين الذين يأتون إلى الحياة في الفترات الثرية»..
وكلما اتسعت رقعة الفترات المجدبة، تقلّصت تلك الثرية.. وتقلّص معها وجود كتّابٍ مؤثرين.. يمنحون «فيضاً من حياة».. بينما لايتمتعون بفيض الصحة لأن ثمة أشياء يرونها ويدركونها تكون «على حافة ما يمكن احتماله».. و«على حافة مايُقبل التفكير فيه»..
ولأننا بزمن قابع على حواف ما لا يطاق احتماله، يقل عدد هؤلاء الكتّاب المؤثرين الكبار حد الندرة.
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 17-1-2019
رقم العدد : 16887