«إذا توقف الكاتب عن التأليف فإن زوجه تتضور جوعاً»..
تحت غطاء هذه الذريعة ستمكث «جوان»، عمراً بحاله ممارِسةً فعل الكتابة خلسةً وخفاءً باسم زوجها المدعو جوزيف كاسلمان.. ليتصعّد هو وصولاً إلى جائزة (نوبل) للآداب.. بينما تبقى هي مكتفية بلعب دور الزوجة المخلصة.. الوفية.. والمحبّة..
هل يمكن للحب أن يجعلنا غير ما نحن عليه..؟
كيف يمكن لنا أن نحب من يستغلنا عمراً كاملاً..؟
يثير فيلم (الزوجة، The wife)، أسئلة أكثر من هذه.. حين يتقن الولوج على عوالم حياة نمط موجود من الكتّاب.. أو نمط من الأزواج.. يمارسون حياة مزدوجة.. ظاهرية وأخرى مخفية.. وكل ذلك ملصقٌ إلى قشرة واهية من مظاهر فارغة.. فكيف يمكن للمرء أن يدعي ما ليس عليه..؟!
ألا يفترض بجمهور الكتّاب المبدعين أن يكونوا أبعد الخلق عن هكذا ممارسات..؟
ما هي مكاسب المرء حين يصطنع كينونة زائفة..؟
نص الفيلم المأخوذ عن رواية للكاتبة ميغ وليتزر، يناقش موضوعة الزيف الإبداعي كثيمة رئيسية.. تتفرّع عنها عدة تساؤلات تنبثق من ظرفٍ يوضع فيه المرء حين يعتقد أنه يفعل ما هو صائب..
فالمهم بالنسبة لـ(جوان) التي أدّت دورها جلين كلوز بتميّز، أن تفرّغ ما تشعر به لاسيما في فترات خيانة زوجها لها.. لتكون الكتابة في هذه الأثناء نوعاً من علاج ركنت إليه كي لا «تتضور روحها».. الفكرة التي لقنها إياها الزوج «جوزيف، جوناثان برايس» حين كان مدرساً جامعياً وهي طالبة لديه.. لكن الطالبة تتفوق على معلمها.. تفوّقاً في الخفاء لا يدرك حقيقته أحدٌ سواهما.
تتطور الأحداث، ولن ندرك أي شيء من الحقيقة إلا عبر تسريبات نستشعرها تنقل إلينا بعناية وعلى مهلٍ وفق دفقات من زمن مضى تستذكره جوان.. زمن يبوح لنا بسرٍّ تواطأا عليه هي وزوجها..
ويبدو أن جوزيف أحسن مقايضة حبّه بإبداعها..
حقيقة لن تدركها الزوجة المخلصة والمتفانية سوى لحظة تكريم الزوج ونيله الجائزة الأهم عالمياً «نوبل».. وكما لو أن قناع الزوج المحب سقط عنه.. حينها فقط لحظت تورّم الذات الذي وصل إليه عن فراغ لا غير.
من أجمل مشاهد الفيلم، يبدو المشهد الذي يصارح فيه الابن ديفيد والديه بالحقيقة التي وشى له بها كاتب سيرة ذاتية حاول الوصول إلى اعترافٍ من الزوجة.. يواجه أباه قائلاً: «لقد استعبدت أمي».. العبارة التي تنفلش على معنى حديث «مودرن» من الاستعباد والاستغلال غير المعلن..
استعباد خسيس.. واستغلال مخبأ تحت قشرة حب ومشاركة مكتومة..
لكن يبقى السؤال..
هل كان الزوج هو من استعبد الزوجة فعلياً.. أم إنها هي من استعبدت نفسها بتأثير من وهم الحب..؟
يبقى أن أكثر الأمور تميزاً في الفيلم الذي أخرجه بيورن لونغ، ليست الطريقة المكثفة في عرض الحكاية وحسب، ولا أسلوبية إخراجية قطفت أبرز مفاصلها، إنما ذاك الحضور المؤثّر الذي اختصرت به «كلوز» بكل تعبير من تعابير وجهها الكثير مما تخبّئ من حسرة وألم.. فاستحقت على أدائها جائزة أفضل ممثلة في فيلم درامي ضمن جوائز الغولدن غلوب الأخيرة.
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الأربعاء 23-1-2019
رقم العدد : 16892