الملحق الثقافي ..سلام الفاضل :
علامة استفهام كبيرة تواجه الإنسان عندما يتحدث عن نفسه، لأن تحليل المرء لنفسه أكثر تعقيداً من أي فن تجميلي. فقراءة فسيفساء الذات، وتوصيف خفاياها، وما يعتمل فيها من نوازع قد لا تتأتى لأي إنسان، ما لم تتصد لهذه المهمة يد فنان، وروح شاعر، وقلب أديب.
وضمن إطار الإبحار في ما وراء عوالم النفس البشرية، ومغازلة أسرارها شعراً جاء كتاب (شجرة تحلم بالطيران… مختارات من الشعر الصيني في القرن العشرين)، الصادر مؤخراً ضمن «المشروع الوطني للترجمة» عن الهيئة العامة السورية للكتاب وهو من تأليف: مجموعة من الشعراء، وترجمة: جهاد عارف الأحمدية، جاء لملامسة هموم الإنسان، والغوص في تفاصيل حياته، والانغماس في تجلياتها عبر عرض تجارب شعرية لجملة من الشعراء الصينيين في القرن العشرين.
ضم الكتاب بين دفتيه ملفين عن شاعرتين، وملفين آخرين عن شاعرين، وملفاً خامساً يحتوي جملة من القصائد المتفرقة لشعراء ينتمون إلى مناطق مختلفة من الصين. في الملف الأول تتحدث الشاعرة «تشينغ من» عن حياتها التي شبهتها برحلة ضمن يقطينة مغلقة، فهي لم تكن مفروشة بالوعود والأزاهير. تقول في قصيدة لها بعنوان (الباب):
ليس هذا الباب موجوداً
في أي مكان في العالم،
إنما في ذاكرة أحد ما،
الراغبون في الدخول إليه
يصدّهم من يخرجون منه.
ويتناول الملف الثاني بين دفتيه دراسة أدبية تلقي الضوء على تجربة الشاعر «يانغ مو» الذي عدّه الناقد «تشو تشينغباو» واحداً من ممثلي «مدرسة الشعر الغربي الصيني» وأحد مهندسيها. يقول «يانغ مو» في قصيدة له بعنوان (رجل قوي):
جَملُك النافق
وفمك الناشف والشحوب
جميعها تدق في فؤادك الناقوس
تجعل من حياتك
امتداداً لحياة الجَمَل
فتشق طريقك
نحو انحسار الزوبعة.
ويعبر الشاعر (يي يانبن) في الملف الثالث عن إعجابه بهيئة الشجرة، وجذورها التي تضرب عميقاً في تربة التقاليد، وأغصانها التي تمتد وارفة في سماء الحلم، داعياً المتلقي إلى اتخاذ هذه الشجرة عصا يتوكأ عليها في استيعابه واستيعاب أشعاره. يقول الشاعر في قصيدة له بعنوان (الأمهات):
ماذا يتبقى لأم
بعد أن أنجبت
إلى هذه الدنيا رجلاً آخر
إلا هذا المشهد الأخير؛
أن تلوح بيدها
مودعة عند باب الدار؟
ونتابع في الملف الرابع مشوار حياة الشاعرة «ليو يالي» التي قادها التشدد في فرض النظام إلى الهروب باتجاه الفانتازيا، وحينما أيقظ الحب في داخلها أنوثة كانت كامنة، أخذت تطالع العالم بعينين لامعتين تغلفهما سعادة عظيمة، وشرعت في كتابة الحب. نقرأ في قصيدة لها بعنوان (قصائد حب):
صحيح، أنا لا أحتاج إلى الإطراء
وأكاليل الورد
تخبئها لي وراء ظهرك،
وجهك الحزين
هو آخر قطعة خزف في العالم
وعاطفتي الغضة وحناني
يطرزان جمالي المحبوب
كما الأسماك تتمم جمال الماء.
التاريخ: الثلاثاء 29-1-2019
رقم العدد : 16896