وصار أعمى

الملحق الثقافي ..سامر منصور:

أوراقي البيضاء.. أوراقي البيضاء.. كان بياضها يبدو شاسعاً ويستفزَّ قلمي للعدو.. وكلما وصل إلى حافة الورقة وجد أخرى بيضاء تسخر من الدماء القليلة الباقية في عروقهِ.. وكأنه الفضاء المظلم الصامت يسخر من زرقة الأرض وما يسري في عروقها.. الآن لم يعد بياض الورقة يستفزني.. كل هذا الظلام وأنا.. لا أحد سوانا.. الأعمى لا يستطيع الركض.. لذا فهو لا يستطيع الهرب.. قلمي ينزلق.. لا أستطيع الكتابة.. أريدُ نافذةً واحدة.. لحظة.. أما من رياحٍ تستطيع زحزحة شيءٍ من هذا الظلام!
سأكتبُ لكم، سأخرجُ لكم ظلامي.. نعم الظلام، فلا شيء هنا سوى الظلام.. لا قنديل لا شمعة ولا حتى شرارة كتلك التي كانت تباغتني وأنا أخلع سترتي الصوفية.. خذوا من ظلامي عسى أن يَقلَّ.. فلا نور يكفي لمواساتي.. في كل ما تكتبون وتفعلون.. أحتاج أكثر من تلك اليد التي تمسك بي حين أهمُّ باجتياز الشارع.. كل الأماكن هنا أنهارٌ من الظلام.. عندما تنطفئ عيناك ترى بجسدك كله.. وكلما أمسك بك أحدٌ لمساعدتك.. كل لمسةٍ بقنديل.. كل لمسةٍ بقنديل.. أمسكي بي يا كلَّ أيادي العالم قبل أن أتحطم تحت كل هذا الظلام.. العالم برزخيٌّ وسط الظلام.. كل الأصوات تغيرت.. بوق السيارة كل شيء بات يرعبني وأكثر ما يرعبني صوت العصافير.. فالأعمى لا يعلم إن كان استيقظ أم مات.. أصوات العصافير هي التي تخبرني بأنني مازلت حياً.. وأن فجراً جديداً قد طلع عليَّ وأنا ابن الحياة الموءودة في الظلام.
حتى الذكريات والوجوه ينهشها الظلام مع الوقت.. يمرُّ بك من تحبهم كالأشباح لا يظهرون إلا حين ينطقون.. ولا ينطقون إلا حين يجففون الحزن والشفقة من أصواتهم..
وضع صديقٌ يدهُ على يدي وقال لي: “قل ما تريد أن تكتبه وأنا سأساعدك على الكتابة بيديك حتى تستقيم كلماتك على السطور.”
قلت له:
يا صاح.. الرحم الذي تخرج منه الكلمات يأبى أن يستقيم.. ماذا أكتب؟! كل هذا الظلام!.. وكل هذا الظلام!.. وأنا جدرانٌ من الظلمة تفصلني عنكم، معظم الوقت فلا تصلني أصواتكم سوى صدىً يتهاوى.. عيناي لا تعطيانني شيئاً سوى دموعٍ تضربُ قدماي.. فأنّى أعطي من هم سواي؟!
لا كلمات..
كل القناديل مسكونةٌٌ بالظلام، الحلم أضحى صعباً، الذكرى باتت مرهقة.. أصوات الأحبة.. كأخشابٍ ألتقطها ترفعني.. تساعدني على التقاط أنفاسي فتنجيني من الغرق في أتون الظلام.. الآن.. الآن.. خذ أوراقي واقرأ.. فعيناي تكتب.. هاك يا صاح.. هاك أوراقي المالحة فاقرأ واقرأ..

التاريخ: الثلاثاء 29-1-2019

رقم العدد : 16896       

آخر الأخبار
سوريا تعود إلى طاولة الحوار الدولي.. وواشنطن تفتح باب الدبلوماسية مجدداً غرفة تجارة وصناعة دير الزور تطلق منصة رقمية متكاملة نصر الحريري: الانتهاكات الإسرائيلية تنسف أي فرصة للوصول إلى اتفاقيات مستقبلية "قسد" تماطل في تنفيذ اتفاق آذار وتحرم السوريين من ثرواتهم الوطنية الكهرباء تضيف 37 بالمئة إلى تكاليف إنتاج قطاع الدواجن حملة أمنية في منبج لضبط المركبات غير النظامية "أربعاء المواطنين".. جسر تواصل مباشر بين الدولة والمجتمع في حمص غرفة زراعة دمشق تعيد تفعيل لجانها وتدعم مربي النحل والمزارعي نائب وزير الخارجية التركي: أمن سوريا جزء لا يتجزأ من أمن تركيا "الأوقاف" تؤكد قدسية المساجد وتدعو لتوحيد الصف الوطني بازار "بكرا أحلى".. حين يلتقي التسوّق بروح المجتمع "تين الهبول" صناعة ما زالت تحافظ على ألقها في الأرياف دموع في الظل.. جريمة ختام الناعمة وكشف أزمة حماية أطفال اللاجئين فرط الحركة.. سلوك يجمع المتناقضات سوريا تعود بثقة.. الرياض مفتاح الدور الإقليمي بطاريات الليثيوم ..ضرورة العصر أم تهديد محتمل ؟ كيف تشكل العلاقة بين الأسرة والمدرسة مستقبل التلميذ؟ زيت الزيتون بزمن الشح .. مزارعون يطمحون فقط لتأمين مؤونتهم ! انطلاق فعاليات اليوم الحقلي للبطاطا في بنش بإدلب ترامب يُرحّب بزيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض ويشيد بإدارته للبلاد