كان لا بدّ من عمل جادّ ومكثّف، وتشكيل خلايا عملٍ في حاكميّة البنك المركزي، ليس فقط للتشخيص والتوصيف وتطويق المخاوف، وإنما للوصول أيضاً إلى إجراءاتٍ نقدية فعّالة تساهم في إيقاف هذه المعركة، التي من الواضح أنها عاصفة وخاسرة إن استمرّت بهذا الشكل، إجراءاتٍ تمكّننا على الأقل من تحصين دفاعاتنا النقدية، لتبقى عصيّة على مثل هذا الاختراق، والبدء بعدها بهجوم حقيقي، يُمَكّن الليرة من استرداد مواقعها.
ونعتقد أنه لم يعد كافياً الأخذ بالتدخل القانوني لملاحقة وضبط المضاربين في سوق العملات السوداء ومعاقبتهم – على الرغم من أهمية هذا الإجراء – فلا بدّ من اتخاذ إجراءاتٍ هجومية جريئة تُعزّز من قوة الليرة وترفع من مكانتها -، فالمعروف أنّ قوة العملة في تداولها، لأن زيادة التداول يزيد من انتعاشها، وانتعاش الاقتصاد بالعموم، والعكس صحيح، أي أن قلة التداول يؤدي إلى خمول العملة وخمول الاقتصاد وانكماشه، وبالتالي صار لا بدّ من اتخاذ إجرائين مهمين وإسعافيين يساهمان وإلى حدّ كبير في زيادة تداول الليرة.
الإجراء الأول: فتح أبواب القروض على مصراعيها للجميع ولاسيما لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على ضمانات درء المخاطر بطريقة مُبَسّطة بعيدة عما يجري حالياً من تعقيدٍ بل وتعجيز، ما أدى إلى تكدّس آلاف المليارات في البنوك دون طائل، فمن الودائع وحدها هناك نحو 2000 مليار، أو / 2 / تريليون ليرة مكدّسة في خزائن البنوك العامة والخاصة، وبتحريكها عبر الإقراض الميسّر، يزداد الإنتاج، وينتعش الاقتصاد، وتزداد حركة التبادل، كما تُخلق الكثير من فرص العمل المنتجة، أما تركها هكذا للفرجةِ والخزائن، فهي ليست أكثر من عبء ثقيل على الاقتصاد والبنوك.
الثاني : زيادة الرواتب والأجور، باتت ضرورة اقتصادية ملحّة، لضرورة زيادة تداول الليرة، ولتكون حاضرة بقوة أكثر في الأسواق، حتى وإن كان تمويل تلك الزيادة بالعجز، فهي تعكس أيضاً ارتياحاً نفسياً عند شريحة واسعة من المجتمع، سرعان ما تنعكس على انتعاش السوق.
لقد بتنا بحاجة إلى ما يشبه العمليات الجراحية للإمساك بالليرة وإعادتها من هذا المنزلق الذي أضعف من قوتها الحقيقية، ولعلّ القرارات التي اتّخذت بشأن ملاحقة التهريب وتطويقه والتصدي له بقوة وحزم، ستساهم – إنْ نُفّذتْ – بتلك الإعادة، وتكون فاتحة لقرارات أخرى منتظرة.
علي محمود جديد
التاريخ: الأثنين 4-2-2019
رقم العدد : 16901