من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية «التحالف الأميركي» في واشنطن اليوم تحت عنوان شكلي «يحث جهود محاربة داعش»، ولكن مضمون الاجتماع والمناقشات سيكون معاكساً بكل تأكيد، وهو مناقشة كيفية الاستمرار بدعم التنظيم الإرهابي، والاستثمار في جرائمه مجدداً، بعد أكثر من أربع سنوات على تشكيل التحالف سيئ الصيت، تمدد خلالها التنظيم تحت الحماية الأميركية والغربية، ولم يزل إرهابيو داعش يجدون المأوى والملجأ الآمن حتى اليوم تحت رعاية الجناح الأميركي في التنف وشرق الفرات، وتقوم المروحيات الأميركية بنقل متزعمي التنظيم وإرهابييه من مكان إلى آخر، كلما اقتربت نهايتهم على يد الجيش العربي السوري وحلفائه، ووصل الأمر إلى حد شن الطيران الأميركي أكثر من مرة اعتداءات سافرة على مواقع للجيش العربي السوري بريف دير الزور، لمؤازرة التنظيم الإرهابي.
الحقائق الميدانية، والمدمغة بالصور والوثائق تؤكد أن أميركا وتحالفها لم يستهدفوا يوماً أوكار داعش، وإنما منازل المدنيين بذريعة محاربته، فارتكب ذاك التحالف عشرات المجازر بحقهم، وشردهم من أرضهم وبيوتهم لإخلاء الساحة لمرتزقته، ودمر المنشآت الحكومية والبنى التحتية من جسور ومصانع وطرقات، وسوَّى مدينة الرقة بالأرض، وسبق أن اعترف باستخدامه قنابل الفوسفور الأبيض في جرائمه، ما يثبت حقيقة أن دول التحالف التي صنعت داعش ليست بوارد القضاء على منتوجها الإرهابي، وإنما البحث في إمكانية إعادة ضبطه، وتعويمه على الأرض السورية، وتنشيط خلاياه النائمة في العراق.
المجتمعون في واشنطن اليوم كلهم يسيرون في الركب الأميركي، ولن تخرج نقاشاتهم الفعلية عن إطار نزعة ترامب العدوانية الساعية وراء دفع العالم نحو العسكرة، وتأجيج الأزمات الدولية، حيث يصوب ترامب سهامه المسمومة نحو أكثر من اتجاه، فبالإضافة إلى العمل على إطالة أمد الأزمة في سورية، هناك سعار أميركي محموم تجاه إيران ومحور المقاومة ككل، وسعي حثيث لإعادة تشكيل أميركا اللاتينية من البوابة الفنزويلية، والأخطر تشريع الأبواب أمام سباق تسلح جديد، وإعادة ترتيب التحالفات الدولية لمواجهة روسيا أولاً، وبعدها الصين، ليتسنى لأميركا إحكام قبضة الهيمنة على العالم، بعدما بدأت تخشى من المتغيرات الدولية الحاصلة التي تخطها مقاومة وإرادة الشعوب بما يفضي إلى عالم متعدد الأقطاب يفقد الولايات المتحدة هيبتها، ويعيد التوازن إلى الساحة الدولية.
محاربة داعش، شعار زائف تتخذه دول التحالف المنضوية تحت الإمرة الأميركية، سعياً لتحقيق أجنداتها وأطماعها من خلال عكازها الإرهابي الذي تستخدمه كفزاعة ضد الدول الرافضة لسياسات الهيمنة والتبعية، ولكن إرادة الشعوب الحرة والمستقلة كفيلة بوضع حد للغطرسة الأميركية، ومن يدور في فلكها.
ناصر منذر
التاريخ: الأربعاء 6-2-2019
رقم العدد : 16903