ما أن أطلقت الدولة يد جهازها الجمركي في حملة من العيار الثقيل (بحسب النتائج المحققة على الأرض حتى تاريخه) لاجتثاث ظاهرة التهريب التي عكرت وما زالت صفو نشاطنا التجاري والصناعي والاقتصادي، حتى تعالت أصوات الشارع المحلي المطالبة (بشهية غير مسبوقة ونبرة عالية) بنسخ تجربة الحملة الوطنية لمكافحة التهريب وتعميمها في صورة طبق الأصل على مفاصل العمل الرقابي التموينيي والدوائي والكهربائي والمائي والعمراني والبيئي..
فهذا التحرك النوعي والصيد الثمين الذي يتحقق على مدار ساعات الحملة التي لم تستثن لغايتها أحداً، هو الذي دفع بالشارع للمطالبة بجعل سورية خلال عام ليس فقط بلداً خال من المواد المهربة فحسب، وإنما بلداً خال من ظواهر المواد مجهولة المصدر والمنشأ (السلع والمواد الأساسية الغذائية منها والدوائية)، والاستجرار غير المشروع للطاقة الكهربائية، والاحتكار والمنافسة والمضاربة النفطية (مازوت +غاز) في السوق السوداء اللاتجارية، وصولاً إلى أجهزة الضخ (الحرامي) المائية، والتشوهات البصرية المتأتية من استشراء ظاهرة التجاوزات العمرانية، وقمع المخالفات المرورية، ووضع حد لمشكلة المشكلات ألا وهي عملية التهريب الضريبية التي ما زالت حلولها تراوح مكانها في دائرة الوعود والاجتماعات الشكلية والأمنيات والتي يمكن وصفها مجتمعة لا منفردة بالنزيف الحاد في شريان خزينتنا العامة.
سلة المطالب الملحة هذه ما كان لها لتطفو من جديد على السطح لولا إصرار وجدية الدولة في التعاطي مع هذه الملفات التي ما زال معظمها لا بعضها حتى يومنا هذا عالقة وخانقة ومضرة بالصالح العام لصالح الخاص ..
ما كان لهذه اللاءات أن تخرج إلى العلن دفعة واحدة لو لم يطفح كيل الشارع من حالات النشاز ومن الموبقات التي بات البعض من المهربين والتجار والباعة والمواطنين يمارسونها في العلن كما في السر في مشهد يمني الشارع نفسه ليل نهار أن لا يراه مجدداً خلال الشهر الحالي، وعلى أبعد تقدير نهاية العام الجاري، لا هي ولا حتى الدخول السلبي والمتكرر لحيتان الأسواق على خط العبث بمؤشرات البيع محلياً التي ما زالت (ووفقاً لأهواء ورغبات وشهوات البعض) تتأثر فقط ارتفاعاً ببورصة صرف العملات الأجنبية، أما مسألة الهبوط التي تم نسفها من قاموس تعاملاتهم التجارية، فيجب أن تعود وتسود بكد يمين التموين وحدها دون غيرها..
عامر ياغي
التاريخ: الأثنين 11-2-2019
رقم العدد : 16906