ترافق الحديث عن النهوض بواقع المرأة السورية، مع الحديث عن التمكين الاقتصادي لها، وقد ارتفعت وتيرة الحديث عن الجانب الاقتصادي كمدخل مهم وحيوي لتحسين واقعها وواقع أسرتها منذ عام 2000، وقد نظمت هيئة تخطيط الدولة حينها العديد من الورشات والدراسات حول تشجيع النساء ودعمهن، وبعدها هيئة الأسرة، وبالتعاون مع الكثير من الجهات الحكومية، كمديرية تنمية المرأة الريفية في وزارة الزراعة. فكيف تمت ترجمة ذلك في السياسات والبرامج الحكومية، وهل سنت تشريعات مشجعة، أو خصصت ميزانيات وافية، وهل ترافق ذلك مع تدريبات؟ جزء كبير من الإجابة نجدها في دراسة الدكتور أيهم أسد والتي حملت عنوان دور سياسات مؤسسات التمويل الاجتماعيّ في التمكين الاقتصادي للمرأة 2001- 2017.
فالدراسة التي أعدت مع مركز مداد للأبحاث، أوضحت علاقة التمويل الاجتماعيّ بالتمكين الاقتصادي للمرأة، حيث عرضت التطور التشريعيّ الذي أسس لنشر ثقافة التمويل الاجتماعي، من عام 2001ولغاية عام 2017 فقد رصدت كافة أنواع التشريعات التي لعب كل منها دوراً ، طوال مدة زمنيّة محدّدة في بناء مؤسسات التمويل الاجتماعي، وبينت الدراسة مدى حساسية تلك التشريعات للنوع الاجتماعيّ، بوساطة استهدافها المباشر في نصوصها للمرأة من عدمه.
وقد بدأت العملية التشريعية فيما يتعلق بعمليات التمويل الاجتماعيّ التي تستهدف شرائح النساء والفقراء منذ عام2001 ، عند إحداث هيئة عامة باسم هيئة مكافحة البطالة، لكن تلك الهيئة لم تستمر في العمل بشكلها الذي كان سائدا أكثر من خمس سنوات، ليحل محلها بعد ذلك شكل مؤسسي جديد هو الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، ومنذ عام 2001 وحتى عام 2016 ، شهد الاقتصاد السوري وجود 6 تشريعات أساسية منظمة لعمليات التمويل الموجهة للفئات الفقيرة والنساء، وقد اتخذت تلك التشريعات شكل مراسيم وقوانين، منها اثنان على شكل مراسيم تشريعية وأربعة على شكل قوانين، أرست مؤسسات تمويل مختلفة ، وسياسات تمويل مختلفة، وقد كشفت الدراسة ما قدمته مؤسسات التمويل الاجتماعي للمرأة عن طريق التعرّف إلى مقدار القروض الممنوحة طوال سنوات الدراسة، وعن نسبة المستفيدات من النساء من إجمالي المستفيدين من القروض في كل مؤسسة تمويل اجتماعيّ، وبينت الدراسة أن النساء لم يستفدن إلا بأقل من نصف خدمات التمويل الاجتماعي، أي أنه ورغم انتشار تلك المؤسسات، فإنَّ فعاليتها في التمكين الاقتصادي للمرأة السورية مازال محدودا.
وقد بلغ عدد المؤسسات والبرامج التي تقدم قروضا وتدريبا 11، هي المشروعات الصغيرة في الهيئة العامة للتشغيل المشروعات الأسرية في الهيئة العامة للتشغيل، الصندوق السوري لتنمية الريف، مركز أعمال المرأة الريفية، برنامج مشروعي، مشروع تمكين المرأة والحد من الفقر، مشروع التنمية المتكاملة للبادية السورية، مصرف الإبداع للتمويل الصغير والمتناهي الصغر، مؤسسة الوطنية للتمويل الصغير، مؤسسة الأولى للتمويل الصغير، مؤسسة فؤادي.
والدراسة التي ضمت تفاصيل مقدار القروض ونوعية المشروعات المقامة، ونسبة استفادة النساء منها، خلصت إلى مجموعة من النتائج والتوصيات أهمها ضرورة توحيد المرجعية التشريعية والمؤسساتية لعمليات التمويل الاجتماعي، وضرورة وجود تخطيط وطنيّ شامل لعملية استهداف وتمويل النساء، بالإضافة إلى ضرورة خلق مؤسسات داعمة لمؤسسات التمويل الاجتماعي والعديد من النتائج والتوصيات الأخرى.
أخيرا لابد من التذكير بتعريف التمكين كما ورد بالدراسة بأنه: تلك العملية التي يكسب بوساطتها الضعفاء، التحكم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في أحوال حياتهم اليومية، وبشكل مستمر لا بشكل متقطع، أي أن التمكين عملية دائمة مستمرة لا تحدث لمرة واحدة فقط، ويشتمل التمكين القدرة على التحكم في الموارد الجسدية، العقلية، المالية، والقدرة على التحكم في الأيديولوجيا والمعتقدات، القيم، الأفكار والقدرة على التحكم في الثقافة التعلم، الثقافة الشخصية، كما يعني أيضا التغلب على كافة الحواجز والعوائق الخارجية للوصول إلى تلك الموارد، أو لتغيير الأيديولوجيا التقليدية السائدة أو لتنمية الشخصية الثقافية/الاجتماعية للفرد. ويمكن إسقاط المفهوم العام للتمكين
على تمكين المرأة بشكل مباشر بالقول: إن تمكين المرأة هو تلك العملية التي تصبح من خلالها النساء قادرات على إدارة وتنظيم أنفسهن، وزيادة قدرتهن على الاعتماد على النفس للتأكيد على حقهن في الاختيار المستقل، والسيطرة على الموارد المحيطة بهن لمحو تبعيتهن للآخر، وأيا كان ذلك الآخر، ولمحو تبعيتهن للمؤسسات والقيم.
أما سياسات التمويل الاجتماعيّ، فهي أحد أهم سياسات التمكين الاقتصاديّ المباشرة الموجهة للنساء، والتي يمكن بوساطتها على نحو مباشر استهداف النساء اقتصاديا لزيادة قدراتهن على الوصول إلى الفرص الاقتصادية.
لينا ديوب
التاريخ: الجمعة 15-2-2019
رقم العدد : 16910

السابق