يعتبر النزاع المزمن بين الجارتين الآسيويتين اللدودتين الهند وباكستان من أخطر النزاعات في العالم، وخاصة بعد امتلاك الطرفين للقنبلة النووية منذ العام 1998، كما يعتبر من أول النزاعات التي شهدتها قارة آسيا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث بدأ في العام 1947 بعد انفصال باكستان عن الهند ونيلهما الاستقلال عن بريطانيا، وشهد ثلاث جولات من الحروب والعديد من التوترات المحدودة كما تخلله فترات من الهدوء والحوار لكنها لم تكن كافية للوصول إلى حل سياسي يرضي الطرفين بسبب تشعب الموضوعات الخلافية وحالة الاستقطاب الشديدة التي نجمت عن الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين أو المعسكرين الغربي والشرقي آنذاك بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي وسعي كل معسكر إلى كسب حلفاء جدد، ما ساهم كثيرا في تغيير مسار القضية وخاصة بين سنة 1947 وصولا إلى اتفاقية شملا سنة 1972، وتركز النزاع بشكل أساسي حول كشمير الاقليم الذي استمر مادة للخلاف بين الدولتين حتى يومنا هذا.
تاريخ النزاع:
يرجع تاريخ النزاع الهندي الباكستاني حول كشمير إلى سنة 1947، بحيث لم يتقرر انضمامها للهند أو باكستان، والسبب في ذلك أن بريطانيا تركتها قضية معلقة تحل وفقا لرغبة سكانها، لكن بسبب تضارب الآراء بين الشعب والحاكم اندلعت الحرب بين الجارتين الهند وباكستان، فبادرت الأمم المتحدة إلى التدخل لوقف القتال وتجريد كشمير من السلاح وإجراء استفتاء حر محايد سنة 1947 تحت إشرافها لكن الهند لم توافق على التوصيات الأممية الخاصة بالاستفتاء.
ولأنه بقي بدون حل يرضي الأطراف سواء المتنازعة عليه أو الشعب الذي لم يحدد مصيره بنفسه، فقد استمر الوضع على ما هو عليه من دون تقدم يذكر في القضية، إلى أن نشب صراع بين الصين والهند سنة 1962 حيث استغلت باكستان هزيمة الهند أمام الصين ووجدت الفرصة سانحة للتدخل عسكريا في كشمير فاندلعت الحرب الثانية سنة 1965، ليتدخل مجلس الأمن لوقف القتال بين الطرفين في أيلول من العام نفسه.
وبالرغم من جميع الجهود المبذولة لتسوية الخلاف، إلا أن المسألة ظلت معلقة، غير أن الأحداث التي كانت تمر بها باكستان في هذه المرحلة استغلتها الهند بدورها أحسن استغلال فقدمت الدعم لشعب البنغال في محاولته الانفصالية عن باكستان، وهذا ما أدى إلى توتر العلاقات الهندية- الباكستانية من جديد بسبب هذا الدعم فنشبت الحرب الثالثة بينهما سنة 1971، وكان من أبرز نتائجها ظهور دولة بنغلاديش في العام نفسه، وتوقيع اتفاقية شملا 1972 برئاسة الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو ورئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي سنة 1972.
أطراف متدخلة بالنزاع
بالإضافة إلى كشمير التي هي سبب النزاع ومادته الرئيسية تعتبر بريطانيا المسبب الرئيسي له بسبب السياسة التي نهجتها في عملية تقسيم شبه القارة الهندية التي كانت تابعة لها في فترة الاستعمار، إذ تركت مسألة انضمام هذا الاقليم إلى الدولة التي يرغب فيها (الهند أو باكستان) على أساس العامل الطائفي والفوارق الدينية والمذهبية وكنتيجة لاستفتاء لم تساعد الظروف الدولية على قيامه.
كما تعد الصين من الأطراف الرئيسة في هذا النزاع وخاصة في فترة الستينيات لأنها خاضت حرباً ضد الهند سنة 1962 على إثر غزوها للجزء الشمالي من كشمير من جهة التبت من أجل السيطرة عليه، ورغم ذلك بقيت على علاقات طيبة مع باكستان لعدة أسباب سياسية تتعلق بأميركا – العدو الأول للصين- والتي قدمت الدعم للهند في تلك الحرب، من دون نسيان التحالف الذي قام بين الهند والاتحاد السوفياتي الذي لم يكن على وفاق مع الصين في تلك الفترة، أما الأسباب الدينية فتتجلى في وجود أقلية إسلامية في الصين، ما جعلها تتقرب من باكستان بقصد احتواء تحرك الحركات الانفصالية الإسلامية بإقليم «كسينجانغ»، فقدمت الدعم العسكري والمالي لباكستان.
الدور الأميركي المتناقض
أكثر ما يلفت النظر في التدخل الأميركي في هذا الصراع أنه اتسم بالتناقض وانتقل من ضفة إلى أخرى حسب الظروف، ففي البداية صب في مصلحة باكستان من منطلق أنها حليفة في مواجهة التحالف السوفييتي الهندي، غير أن واشنطن في فترة الستينيات تدخلت إلى جانب الهند في المواجهة التي جمعتها مع الصين سنة 1962 من خلال تقديم المساعدات للحكومة الهندية، لتعود مرة أخرى للوقوف إلى جانب باكستان خلال ما يعرف بالحرب على الارهاب.
ومن بين الأسباب التي تذرعت بها الولايات المتحدة للتدخل في النزاع على كشمير هو خشيتها أن تتحول إلى أفغانستان أخرى أي مركزا للإرهاب العالمي الذي ساهمت بإنشائه ورعايته مع أسامة بن لادن في الثمانينيات من القرن الماضي إلى جانب النظام السعودي ليكون أداتها في الصراع مع الاتحاد السوفيتي، وقد أعطت الولايات المتحدة بعض الضمانات لباكستان أثناء تولي نواز شريف رئاسة الوزراء والتي من أهمها الإسراع بحل مشكلتها مع الهند بشأن إقليم كشمير، ومساعدة إسلام أباد على مواجهة ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها باكستان، وذلك مقابل تعاون الحكومة الباكستانية مع الإدارة الأميركية في الحيلولة دون تحويل إقليم كشمير إلى أفغانستان أخرى، وعدم التصعيد مع الهند حوله بالتهديد باستخدام السلاح النووي.
ولعل شريف كان قد حسبها من جميع النواحي فوجد أن عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة مع الهند إضافة إلى إعادة الولايات المتحدة مساعداتها الاقتصادية مرة أخرى، هي أفضل من مواصلة القتال من أجل الإقليم ولو لحين من الدهر، وهو ما سار عليه برويز مشرف أيضاً فيما بعد، ولعل من الأسباب المهمة التي جعلت الولايات المتحدة تتدخل أيضا في القضية الكشميرية هو خشيتها من أن يتصاعد النزاع ليصل إلى حد استخدام السلاح النووي الذي يعني حينها بأن كارثة كبيرة ستصيب العديد من الدول المجاورة ، إضافة إلى شيوع جو من عدم الاستقرار في المنطقة قد تتسع رقعته ليشمل الصين أيضا وهي دولة نووية أيضاً، ولعل الخشية من استخدام السلاح النووي تأتي من الطرف الباكستاني على وجه التحديد باعتبار تفوق الهند عليها عسكرياً.. فالهند صاحبة الجيش الأكبر، وسكانها يقتربون من مليار نسمة، وأي حرب برية قد تقع بين البلدين ستكون النتيجة فيها محسومة بشكل أكبر لمصلحة الهند.
أما الاتحاد السوفييتي فقد بادر للتدخل في إخماد الصراع خوفاً من قيام واشنطن باستغلاله لمصلحتها وخاصة أنه يحدث عند خاصرته الجنوبية، مع العلم بأن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي كانت على أشدها في تلك الفترة، وتجلى هذا الدخول في وقوفه إلى جانب الهند في إطار عقد معاهدة صداقة بينهما.
الدور الأممي
حاولت الأمم المتحدة البحث عن حل يرضي الأطراف المتنازعة، وأصدرت العديد من القرارات منها وقف القتال عند كل نزاع كان يحدث، وطلبت إجراء استفتاء شعبي كي يحدد شعب كشمير مصيره.
ومن أبرز المحاولات التي قامت بها الأمم المتحدة إرسال لجنة أممية إلى المنطقة لدراسة الوضع وتقديم الحلول المناسبة لمعالجة القضية المطروحة، وسعت إلى اتخاذ موقف وسطي للتقريب من الطرفين. وكان من أبرز قراراتها المتعلقة بتسوية النزاع انسحاب القوات العسكرية الباكستانية والهندية من كشمير مع تنصيب حكومة انتقالية للإشراف على الوضع هناك، وحق تقرير المصير من خلال إجراء استفتاء شعبي حر ومحايد في الإقليم تحت إشرافها، ولكن هذا لم يحدث وظل النزاع مستمراً تتخلله فترات هدوء ثم يعود ويشتعل تبعاً للظروف والاصطفافات الدولية ومصالح كل طرف.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 1-3-2019
الرقم: 16921