تواجه أزمة النازحين في مخيم الركبان الواقع على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي ضمن منطقة تسيطر عليها القوات الأميركية معضلة جديدة على طريق حلها وتخليص الآلاف من السوريين الهاربين من مناطق عديدة جراء بطش وجرائم تنظيم داعش الإرهابي ، بسبب قيام واشنطن بوضع عراقيل جديدة أمام الجهود السورية الروسية المشتركة لإنقاذ هؤلاء النازحين من معاناتهم الصعبة، حيث اشترطت التنسيق معها ومع الأمم المتحدة دون ذكر ماهية هذا التنسيق، وادعى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية روبيرت بلادينو أن بلاده تؤيد دعوة الأمم المتحدة لإيجاد حل مستدام لمشكلة الركبان وفقا لمعايير الحماية وبتنسيق الجهود مع كافة الأطراف المعنية، غامزاً من قناة المبادرات الروسية في هذا المجال مدعياً أن ما تنفذه روسيا من جانب واحد لا يفي بالمعايير المطلوبة.
من الواضح هنا أن لواشنطن التي لا تقيم وزناً للأمم المتحدة ولا لدورها الإنساني نوايا خبيثة من عملية تأخير حل مشكلة المخيم المذكور ربما تتعلق بمجاميع الإرهابيين في المخيم ممن رعتهم وشغلتهم لسنوات عديدة ضمن مشروعها العدواني في سورية، حيث تحولت المنطقة منذ التدخل الأميركي فيها قبل أربع سنوات ونيف الى مركز لتدريب العديد من الجماعات الارهابية التي كانت تنشط في الجنوب السوري انطلاقا من الحدود الأردنية، حيث كانت تعمل هذه الجماعات بإشراف غرفة موك وتاليا تحت إشراف أميركي مباشر، واليوم تسعى لإيجاد مخرج ملائم لهم بعيدا عن سيادة الدولة السورية بحيث تضمن وصولهم إلى مناطق أخرى في الشمال السوري لإعادة استخدامهم ضد وطنهم أو السماح لهم بالالتحاق بعملاء تركيا حيث لا يزال النظام التركي يطمح للعب دور ما في الجزيرة السورية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
منذ البداية سعت الدولة السورية لإعادة كل النازحين والمهجرين بسبب الارهاب إلى مناطقهم وأمنت كل الظروف الملائمة لعودتهم سواء من كانوا في مخيمات مؤقتة داخل سورية أو في مخيمات أقيمت لهم في دول الجوار من أجل جعلها ورقة ابتزاز دائمة والجميع يعلم أن دور الأمم المتحدة هامشي وخاضع بشكل كبير للإملاءات الأميركية، ولكن منظومة العدوان على سورية استخدمت ملف النازحين ومازالت من أجل الضغط على الحكومة السورية بهدف تحميلها تبعات هذا الملف ودفعها لتقديم تنازلات وأثمان سياسية تخص أمنها وسيادتها وقرارها الوطني المستقل.
ففي إطار الجهود السورية الروسية المشتركة لحل أزمة النازحين في مخيم الركبان تحديدا عقدت الهيئات السورية والروسية الخاصة بعودة هؤلاء إلى الوطن جلسة مشتركة ترأسها قبل أيام الفريق أول، م. ي. ميزينتسيف، وكانت مناسبة للإعراب عن القلق من الوضع الكارثي الذي يعيشه هؤلاء النازحون جراء الظروف الجوية الصعبة وتدخل الارهابيين في شؤونهم وحرمانهم من العودة إلى مناطقهم التي هجروا منها، حيث يشير استطلاع أجراه ممثلون عن منظمات دولية بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر السوري، داخل مخيم الركبان، على أن أغلبية الموجودين في المخيم يرغبون بالعودة إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، ولكن الجماعات المسلحة، وخاصة إرهابيي «مغاوير الثورة» المدعومة من الجانب الأمريكي، تمنع ذلك.
في حين يقوم الأميركيون في قاعدة «التنف»، بنشر الإشاعات في المخيم وتخويف اللاجئين فيه من مغبة العودة إلى الوطن، كما يطالب إرهابيو «مغاوير الثورة»، الراغبون بمغادرة «الركبان» بتسديد مبالغ مالية كبيرة بالدولار الأميركي.
وعلى الرغم من قوافل المساعدات الإنسانية التي وصلت مؤخرا إلى «الركبان»، إلا أن الوضع يواصل تدهوره. وتنتشر بشكل دائم بين اللاجئين، الأمراض المعدية والقمل والجرب، وهناك إصابات بمرض الجذام الخطير، وتزداد الوفيات بسبب البرد وانعدام الشروط الصحية ومتطلبات النظافة العامة، وتفشي الأمراض الجلدية، والأنفلونزا، والحصبة، والسل، والربو. وهناك نقص كبير في الرعاية الطبية الأساسية، ولا يتوفر الحد المطلوب من الغذاء والوقود.
ورغم كل ما تعانيه الدولة السورية من حصار اقتصادي وإجراءات قسرية أحادية الجانب، إلا أنها اتخذت بالتعاون مع الجيش الروسي، إجراءات غير مسبوقة لإنقاذ هؤلاء المواطنين اللاجئين إلى المخيم، وتم فتح مراكز استقبال لهم في مختلف المحافظات والمناطق حيث تتوفر فيها كل متطلبات المعيشة الأساسية.
وتدرك الحكومة السورية، أن تأخير عملية إجلاء المتواجدين في «الركبان» سيزيد من معاناتهم وسيؤدي لسقوط ضحايا جدد، لذلك قامت بالأمس بتجهيز حافلات وأرسلتها إلى المنطقة لنقل اللاجئين الراغبين بذلك إلى عدة مراكز بما في ذلك في دمشق وتدمر، وتم إبلاغ مدير مكتب المفوضية العليا للاجئين بهذا الأمر، لكن واشنطن مازالت تضع العراقيل تلو العراقيل أمام حل معضلتهم، لأنها ترغب ببقاء الإرهابيين في المخيم وحمايتهم واستعمالهم كعملاء وأدوات دائمة في حربها على الدولة السورية وحلفائها، ولاسيما أن قرار الانسحاب الأميركي من منطقة التنف سيضعهم في مواجهة الجيش العربي السوري الساعي لتحرير كامل أراضي سورية من فلول الارهاب.
وفي ظل الظروف الحالية الصعبة التي يمر بها النازحون في المخيم تكون قيادة القوة الأميركية في التنف ملزمة بتوفير المرور الآمن للحافلات عبر المنطقة المحتلة، وفي هذا الاطار حمل الفريق أول، م. ي قيادة المجموعة الأميركية في التنف المسؤولية الكاملة عن توفير العبور الآمن للقافلة التي تنقل اللاجئين عبر منطقة الـ55 كلم الواقعة تحت سيطرتها، واضعا الكرة في ملعبها.
يخاطب الفريق ميزينتسيف الأميركيين بالقول عليكم، بالأفعال وليس بالأقوال، إثبات قدرتكم على العمل من أجل خير السوريين، الموجودين في «الركبان» الذين في غالبيتهم الساحقة، حوالي 40 ألف شخص، أكدوا رغبتهم بمغادرة المخيم فورا.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأحد 3-3-2019
الرقم: 16922