الملحق الثقافي ..إعداد: رشا سلوم
مع اقتراب فصل الربيع، لا يكاد المرء يذكر شيئاً أكثر مما يذكر الشام وزهرها وما قيل فيها من شعر، والمناسبات التي تعد بالصبح، وهل آذار غير ذلك، من من الشعراء كان أكثر التصاقاً بها من الشاعر العروبي الكبير نجيب جمال الدين الذي مرت ذكرى رحيله منذ فترة، كل شيء بعنفوان الشام يذكر به، بما أبدعه من أجلها، وصدح به على المنابر، من دمشق التي غردت إبداعاً وعطاء وفعلاً، ظل نجيب جمال الدين مخلصاً لها إلى أن رحل عام 2004م، وهي الأمينة على تجربته الشعرية الثرية التي يجب أن تبقى موجودة تردد بكل محفل، في سيرة حياته.
سيرة
حاصل على إجازة في التاريخ، وأخرى في الحقوق من جامعة دمشق.
عمل مدرساً للأدب والنقد الأدبي والتاريخ والعلوم الإنسانية في الكلية الأرثوذوكسية والكاثوليكية بدمشق، كما مارس المحاماة في العديد من الدول العربية والأوربية.
نشر العديد من المقالات والقصائد وأذاع بعضها في إذاعات وتلفزيونات لبنان وسورية ومصر.
أعماله
دواوينه الشعرية: سنابل الغضب 1967، حرائق على الثلوج 1973، الكتابة على أعمدة الشمس 1975، قصائد إلى عاصمة المدن الشرقية 1980، المعلقات السود والذئب 1982، النهر 1984، رياح الآلهة 1988، هدى 1990، النهران 1994، علي ملحمة الإنسان الكبرى 1994، النهر والمرايا 1994، الكتابة بالمثلثات والحرف الكوفي 1994.
من مؤلفاته النثرية: حول المرأة، خليل مطران، في صميم المعركة، كلمات من أوروبا البعلبكية.
نال جائزة سعيد عقل 1968، وجائزة فخر الدين من الجيش اللبناني.
ممن كتبوا عنه: سعيد عقل، ومحمد كامل صالح، وخليل فرحات، وعدت عنه أطروحة جامعية في السوربون. وفاة الشاعر والأديب نجيب جمال الدين (مقال – ثقافي وفكري – لبنان).
وكان الموت قد غيبه عن عمر يناهز اثنين وثمانين عاماً.
وقد عرف الراحل كأحد المحامين اللامعين في المحاكم اللبنانية، وتدرج في مكتبه عدد كبير من المحامين.
أما كشاعر فقد تميزت قصائده بنوع من الملحمية من خلق أبطال، وبقدرته الوصفية في موضوع قصيدته.
ومن قصيدته العنكبوت وقناديل الليل:
نام الجميع، وصار الشوق يحترق
والساهرون:
أنا والليل والطرقُ
تمشي القناديل
من خلفي تراقبني
لا تغمض الطرف، إلا وهي تسترق
لم تكْفني إبر في الصبح محِدقةٌ
حتى تمسِّيَ وجهي
في الدجى حَدَقُ
يا ليت بالعتمة الكبرى
ورحلتها
تلك القناديل أدعوها فتستبق
تَزينُ قبريَ فالجدران مسرجةٌ
ويا جفوني
عليك الدفء والألق
يا مُوقِد النار لا تطفئ حرائقها
فقد بردتُ
وغطّاني هنا الغسقُ
ما حقُّه الشوق أن ينسى أحبته
وفي الأضالع منه
هذه الحُرَق
وتشعل النار في أرض الثلوج
فيا ذئب الثلوج انتصحْ يا ذئب..
تحترق
يزورني يلتقي عندي
يسامرني من أتعبوا الحس
من عانَوا ومن عرقوا
ومن أحبوا
ومن شابت بصبوتهم مفارق الليل
من يحيون إن أرِقوا
ومن إذا سُئلوا
عن سر غزوتهم مفارق النجم
قالوا: إنهم عشقوا
من همْ؟
أجل من همُ؟ قال الفراش همُ:
من سافروا في لهيب الشوق واحترقوا
تمشي الشموس ككسرى في مناكبهم
وفي الذيول التي جروا
مشى الشفق
يَتْلُونَ.. أَتْلو..
فطيبي يا دفاترنا
من كل شعَّة حرف شِعَّ يا أفق..
وأقام الشاعر جمال الدين في سورية التي احتضنته وبادلته حباً بحب وخصوصاً بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، فإنه على المستوى السياسي، انتسب في مرحلة مبكرة من حياته إلى الحزب الشيوعي اللبناني، لكنه غادره بعد سنوات قليلة، وكانت له صداقات مع عدد من كبار الأدباء من أمثال رئيف خوري، كما ارتبط بصداقة مع الشاعر السوري المعروف محمد كامل صالح.
وارتبط جمال الدين، بصداقات مع عدد آخر من الشعراء العرب واللبنانيين منهم: محمد مهدي الجواهري، بلند الحيدري، وطلال حيدر، وكان له صداقة متينة ومميزة مع الشاعر سعيد عقل استمرت فترة طويلة من الزمن.
في دمشق حلق عالياً مع الشعر، ومن وحيها كانت معلقاته السامية طموحاً، وهو القائل بالشام:
وقل هي الشام لا خمرٌ ولا جسدُ
حتى ولا الزينتان المال والولدُ
وقل هي الشام كاد الوجد يقتلني
والشام تحمل وجدي عندما أجدُ
فأمّيَ الشام كانت مذ أنا ولدٌ
وأمّيَ الشام حتى يهرم الولدُ
قد تكذب الشمس في صبحٍ إذا وعدتْ
وتصدق الشام في صبحين إذ تعدُ
والشام تبقى بأفق الشعر كوكبه
والشاهدونَ، أنا والعُتقُ والجُددُ
والشام تبقى وردَّ الله أعينهمْ
دار الصمود وتبلى عينه الحسدُ
إن الصمود هنا في الشام حيث هنا
باب السماء بباب القدس منعقدُ
هنا نقول بأنا صامدون هنا
ويشهد الدَّم.. والأحرار قد شهدوا
التاريخ: الثلاثاء 5-3-2019
رقم العدد : 16924