في موينخ شباط ٢٠١٩، وفي النشرة الـ ٥٥ لمؤتمر الأمن السنوي ظهر الكثير من المشاركين الأوروبيين بحالة ذهول، لم تكن تبدو التوترات بين حلفاء جانبي الأطلسي واضحة بهذه القوة.
بداية، يعتزم رئيس الولايات المتحدة شنّ حرب تجارية ضد أوروبا وبشكل خاص ضد ألمانيا، ثم على الصعيد الديبلوماسي-العسكري شعر المدافعون عن «الاستقلالية الاستراتيجية للدعامة الأوروبية» في قلب الحلف بمواجهة صراع آخر من جانب مشجعي قطبية الناتو.
معركة أخرى، ترغب واشنطن بإرغام باريس، برلين ولندن على التنديد بالاتفاقية النووية الموقعة في ٢٠١٥ مع طهران، إضافة إلى ذلك، يواصل القادة الأمريكيون والألمان صراعهم حول مضاعفة خط أنابيب نورد ستريم للغاز الذي يزود اقتصاد منطقة حوض نهر الرين بالغاز الروسي.
وأخيرا تخلت الولايات المتحدة عن معاهدة عام ١٩٨٧ الموقعة مع روسيا حول خطر استخدام الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا. عاد القادة الأوروبيون لحجة الولايات المتحدة متهمين روسيا بانتهاك ما يسمى اتفاق، لكنهم بنفس الوقت استاؤوا بأن وجدوا أنفسهم أمام أمر واقع وهو أن المقصود بالأمر أمن القارة العجوز.
في ميونخ، استخدمت أنجيلا ميركل لهجة غير ديبلوماسية للتشكيك بسياسة البيت الأبيض، أما من جهة نائب الرئيس الأميركي ميشيل بنس أظهر غطرسة واضحة: «اليوم، أميركا أقوى من أي وقت مضى، وأصبحت مرة أخرى زعيمة العالم»، شخصية دونالد ترامب استفزازية وغير متوقعة، تعطي لهذه التناقضات ضراوة غير مسبوقة. ويعيش المسؤولون الأوروبيون رهبة الانتخابات القادمة.
عدا ذلك، فإن الاعتراضات ليست قائمة فقط بين جانبي الأطلسي لكنها موجودة بين أفراد كل معسكر، فمن المرجح أن تقف العديد من دول شرق الاتحاد إلى جانب معسكر واشنطن أكثر من معسكر بروكسل، من ناحية أخرى، جوزيف بايدن سلف ميشيل بنس الذي كان حاضراً في العاصمة البافارية نراه يأمل بتنظيم «عالم السنوات الخمسين القادمة» مع الاتحاد الأوروبي.
في الواقع، التناقضات بين الغربيين ليست إيديولوجية، الكل يتهم موسكو أنها سبب المآسي في العالم (إلى جانب ذلك، بدون روسيا كيف يمكن تبرير وجود حلف الناتو؟!).
والجميع يخشى انبعاث الصين، ويتحدون بالرأي في عبادة السوق والحكم العالمي بتجاهل سيادة الدول، الأمر الذي بشكل جزءاً من منطق الهيمنة العالمية بما في ذلك «حق التدخل» (كما يحدث الآن ضد كاراكاس)، من ناحية أخرى، هناك اهتمامات بمجالات عديدة أخرى لاسيما سوق الأسلحة والطاقة.
تجار الأسلحة الأوروبيين يريدون زيادة حصتهم من الحلوى مقارنة بنظرائهم الأميركيين المنغلقين لإقحام تفوّقهم، بهذا المقياس يمكننا فهم مواجهات «أوروبا الدفاعية»، فمشاريع وأسواق أنظمة الأسلحة المستقبلية تقدر بآلاف المليارات من الدولارات.
قطاع الطاقة ليس أقل أهمية حيث يلعب دوراً حاسماً في التبعية المستقبلية، وليس من قبيل الصدفة أن نجد اليوم في وسط الإعصار (أي المستهدفتان) العضوتان المؤسستان للأوبيك إيران وفنزويلا، إذا كان خط أنابيب الغاز نورد ستريم٢ يعارض بشدة واشنطن وبرلين، وإذا كان قادة الولايات المتحدة وأوروبا تتحاربان بصدد مواجهة مشكلة الاحتباس الحراري (وهي «معركة» سخّر لأجلها الأوروبيون آلاف «الحمقى المفيدين»)، فيما حصّل العم سام كفايته من البترول والغاز، على نقيض حال القارة العجوز التي يتمنى قادتها تقليص احتياجهم للهيدروكربور.
وعلى خلفية ذلك، هناك عامل أخير يقلق زعماء الاتحاد الأوروبي ووسائل الإعلام الموالية لهم: «صعود النزعة الشعبية»، مصطلح متفق عليه يغطي عمليات التمرد الشعبية ضد التراجع الاجتماعي ولوم السيادات..
في الواقع، إذا كان القادة الأوروبيون يجدون منافسون لهم في واشنطن إلا أن أعداءهم الحقيقيين لم تتم دعوتهم إلى ميونخ: الشعوب.
بقلم: بيير ليفي-عن لو غراند سوار
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الخميس 7-3-2019
الرقم: 16926