يرتبط شهر آذار عند السوريين بالخصب والعطاء, والقدرة على التجدد, لذلك فهو شهر الاساطير والقدرة والفعل منذ آلاف السنين, تتغير الأمزجة والاحوال, ويرتدي الواقع النفسي والمعيشي والبيئي لبوسا آخر, لايمكن نكرانه, الامل والعمل, ليكتمل في نيسان وايار ويتوج بفصل الصيف.. قد يرى البعض أن هذا الربط الذي نشير إليه ليس مناسبا ولكن الحقيقة التي يجب ان تقال دائما وعلى رؤوس الاشهاد أنه حقيقة تامة لامفر منها, ولا نشعر اننا نقول إلا جزءا من الحقيقة, في شهر آذار ثورة الثامن منه وثورة العامل والفلاح وكل طبقات الشعب, وفي شهر آذار يوم المرأة, وفي شهر آذار يعرف السوريون ان ثمة مؤامرة تربصت بهم من قبل اعدائهم, ارادوا لها أن تمحو كل اثر وكل وإنجاز تحقق, ولكنهم اخفقوا في النيل مما ترسخ عطاء وقدرة على الفعل والاثبات.
لسنا اليوم بجردة حساب هنا وهناك, ولايمكننا ان نقول إننا دائما في مرحلة الإنجاز والعطاء, فطبيعة ما نحن عليه وما يوجه وطننا من مؤامرات,ما لدينا من معوقات بعضها ذاتي، وربما هي كثيرة، جعلت الامر يتعثر حينا ويسرع احيانا, وكان لابد من المراجعة والتقويم والقدرة على التجاوز, فكان التصحيح المجيد بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد, وما تحقق هو اليوم ملء ساحات الوطن, ترسخ نهجا بالفعل والممارسة والقدرة على المقاومة والتحدي, وغدت سورية فعل الخصب الذي كانته ذات يوم, وعلى هذا الاساس كانت تحت المرصد والمجهر, ثمة عدو غاشم يتربص بنا, حاول بكل الوسائل أن يكسر هذا الخط المقاوم, ولكنه عجز تماما, فجرب ألف أسلوب وأسلوب, وما نراه الآن دليل على ذلك؟
اليوم ونحن نستمر في فعل المقاومة الذي نعيشه, نعرف أن الثمن غال ومرتفع وأن التضحيات كبيرة, ولابد من تجديد الادوات والوسائل من أجل الفعل القادر على التجاوز والانتصار, وقد تحقق الانتصار في الميادين كافة ونصر عسكري ابهر العالم, وقدرة الشعب السوري على الاجتراح والصمود والمضي بعيدا نحو آفاق اكثر رحابة وفعلا للأمل, ولن نغالط انفسنا وندعي أننا في احسن الاحوال, لا, بل نعيش ما سببه العدوان, ثمة عدوان متواصل وكبير, من حصار اقتصادي الى ضخ إعلامي من وسائل التضليل التي جربت كل ما يمكنها أن تفعله, الى ضعاف النفوس الذين اثروا على حساب دماء الشهداء, الى ما طفا على الساحة من امراض اجتماعية هي من طبيعة الحروب ونتائجها, ولكن الحقيقة تقول ايضا: ثمة بناء راسخ وعظيم مدماكه ما اسسته ثورة الثامن من آذار, فكانت إرادة السوريين الصلبة والقدرة على الاجتراح والفعل والمضي قدما في البناء على الرغم من كل ما يحيق بنا, فلم ينقطع رغيف الخبز يوما, ولم يفقد صنف من اصناف والوان استمرارية الحياة, حدثت اختناقات, نعم, وهذا امر طبيعي, ولكن الارض السورية واليد التي هي العليا اليد المنتجة, ظلت تعطي وتقدم.
في المشهد السوري, اليوم وبعد أكثر من نصف قرن ونيف على ثورة آذار, ومع كل ما مر, بكل ثقة نقول: البناء راسخ وعال وشامخ, ثمة من عمل على هدمه من الداخل أو الخارج, والمؤامرات مستمرة لم تتوقف, نعرف أن لدينا الكثير من الثغرات التي يجب أن تغلق, قد تتسع لبعض الوقت بفعل انتهازية الكثيرين, لكننا على يقين أنها لن تبقى وثمة قدرة على المراجعة والتطوير وتجاوز ما كان, والعمل بروح الوطنية العالية نحو غد سوري يؤسس ويمضي, والعالم كله يشهد أن النصر السوري منجز وراسخ وهذا لم يكن بين ليلة وضحاها.
دائرة الثقافة
التاريخ: الجمعة 8-3-2019
الرقم: 16927