الملحق الثقافي_ عقبة زيدان:
على النقيض من الفلاسفة، فإن المعراج الصوفي لدى المتصوفة هو عملية نفسية حثيثة تتم داخل القلب وليس العقل. ويكمن الهدف من هذا المعراج في السفر صوب الحقيقة المنشودة. ومن بين المتصوفة الذين اشتهروا في صياغة الرحلة الصوفية هو فريد الدين العطار الذي استشهد على يد المغول.
يستعرض العطار في منظومة “منطق الطير” رحلة ثلاثين طيراً في طريقهم صوب السيمورغ – وهو رمز للحق – من أجل الفناء فيه. هي رحلة صعود من الأسفل إلى الأعلى، يصور فيها العطار سالكاً يصحب شيخه ويسافر ويقابل أربعين كائناً في أربعين مقالة، تمثل أربعين مظهراً، يطلق عليها العطار اسم “مقامات”، وهي الدرجات والمراحل التي يجتازها السالك للوصول إلى الحقيقة.
يقابل السالك في رحلته كل كائن على حدة ويطلب منه إرشاده إلى الطريق الصحيح، إلا أن الكائنات الأربعين كلها تعتذر لأنها هي أيضاً تريد الوصول، فيعود السالك إلى شيخه حزيناً، فيحثه الشيخ على مواصلة السير.
ويعد كتاب “مصيبت نامه” أي كتاب الألم، أحد أجمل منظومات العطار، وهو يعرض فكرة التكامل الروحي عند الإنسان، ويستعرض في هذه المنظومة الطريق للوصول إلى الحقيقة، وهو طريق شاق وطويل، ولكنه طريق قلبي، يطلق عليه العطار اسم “الفكر القلبي”. وينبغي على سالك الطريق أن يتحلى بالحيرة وقت الوصول، وليس من مصلحته أن يعمل في ذلك عقله، فلن تحل المشكلة من دون العشق.
يشكل العطار لبنة أساسية في البناء الصوفي، وكان في زمنه مثالاً للرقي الصوفي، فهو الذي اشترط ارتباط الفقر بالوصول إلى الحق، وبالفقر يغوص السالك في بحر الروح الذي يرمز إلى بحر الحقيقة.
Okbazeidan@yahoo.com
التاريخ: الثلاثاء12-3-2019
رقم العدد : 16929