في حصاد العمر كثيرة هي المحطات التي تستحق أن تضاء وتكون في دائرة الاهتمام دراسة وبحثا وتنقيبا، لأنها تشكل مخزونا ثقافيا ومعرفيا يضاف إلى سفر العطاء والإبداع ويستحق صاحبه أن نرفع له القبعة تكريما وتبجيلا.
وفي مبادرة لافته أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب ندوة تكريمية للأديبين، الشاعر محمود حامد، والباحث في التاريخ زهير ناجي، بمشاركة عدد من الأدباء أضاؤوا مسيرة المكرمين بشهادات أثرت الندوة التي أدار الحوار فيها محمد الحوراني رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب.
وبين العميد محمد وليد الجلاد بعضا من سيرة المكرم زهير ناجي وماتحلى به من صفات صدق المعاملة ورهافة الحس ومنهجية الدراسة والبحث، وقد شارك في تأسيس وتأليف وإصدار معجم العماد في العلوم والفنون والآداب واللغة، وأن للمكرم ناجي العديد من المؤلفات في اختصاصات مختلفة، وكان له منهجية صارمة في التأريخ والتحقيق، وقد عمل خبيرا وعضوا فنيا في مديرية التخطيط والإحصاء في وزارة التربية، وله العديد من النشاطات في الجمعية الجغرافية.
وأكد عبد الفتاح ادريس أهمية التكريم في حياة المبدعين وخصوصا لمن يستحقون التكريم ويشكلون رموزا وطنية وثقافية، ومحمود حامد واحد من الرموز الثقافية الوطنية الفلسطينية الهامة، وقد عرف بأصالته وعطائه الثر الذي لاينضب.
رغم أن القضية الفلسطينية كانت وقودا شكلت لديه دافعا كبيرا لنظم الشعر والقصائد الوطنية كما بينت الأديبة فاتن ديركي لكن ذلك لم يثنه عن متابعة تحصيله العلمي والعمل في التدريس في مدارس سورية والجزائر، ومن ثم انتقل إلى السعودية ماأتاح له المزيد من الاطلاع والسفر وأكسبه خبرة كبيرة في التعليم والتربية والصحافة.
وللشاعر مجموعات شعرية منها» موت على ضفاف المطر، مسافة وردة تكفي، شهقة الأرجوان، وأوبريت إليك أعود» ونراه في أحضان وطنه الثاني سورية يكتب لها أجمل القصائد، لتلتحم الشام مع فلسطين في ملحمة تنام حروفها على عتبة المسجد الأموي تارة، وفي باحة الأقصى تارة أخرى.
كما تحدث الباحث غسان كلاس عن زهير ناجي المهتم بالفكر والأدب والتاريخ توثيقا وتحقيقا ومنهجا، وهو المعلم ويفاخر بلقبه هذا، ويعتمد في مؤلفاته على موضوع البعد القومي والإنساني والوطني, وفي منهجه التاريخ والتأريخ للتاريخ وإعادة قراءته، واستنكر استبعاده من لجان المناهج في وزارة التربية بالرغم من سعيه الدؤوب للتطوير مستندا على خبرته الغنية في التعليم والتدريس.
وتوقف الشاعر جمال المصري عند بعض قصائد الشاعر محمود حامد ووصفه بالغيمة التي تمطر شعرا، هو شاعر يعرف كيف يدخل إلى الكائن الحيوي الذي اسمه لغة، ويستخرج مكامن الجمال من داخلها, ويستطيع بكل موهبة الشاعر الحقيقي وبشبكة وجدانية أن يلتقط هذه المشاهد القائمة على الدرامية والصراع التاريخي المأساوي في فلسطين، ومن قصيدته «إنها عازفة الناي» نقتطف:
تعبت يد من كثرة التلويح
كفي إنه المنفى
وماآلت إليه الحال والمجهول
جهة إلى الأسلاك شائكة وأخرى
لم تعد تدري أين الطريق يؤول
وفي تحيته الشعرية للمكرمين قال صبحي سعيد:
محمود حامد ياحدائق صحبتي
والورد نبضك للسرور وبهجتي
طوبى لروحك إذ تراك بعينها
لغة الجمال ومن شذاها مسرتي
وقال في زهير ناجي:
زهير الطيب والأحباب ناجي
وشلال السماحة في ابتهاج
يجد الجد في عينيه نورا
كأن الصبح يبرق بالبلاج.
ومن المداخلات توقف أيمن الحسن عند تواضع المكرمين «العالم والشاعر» وكيف يغدق ناجي بالمعلومة دون كلل أو ملل، وكيف يصوب حامد نتاجات الشباب ويدعمهم ويأخذ بيدهم بكل المحبة والصدق.
ويرى الأديب عوض سعود العوض أن الشاعر حامد لم يأخذ حظه من الرعاية والاهتمام كواحد من الشعراء الفلسطينيين السوريين، رغم أنه يبدع في كتابة القصائد.
وقبل التكريم أفصح كل من المكرمين عن أكثر المواقف التي مرت عليهما وكان لها الأثر الإيجابي أو الأثر السلبي، فما أحزن حامد هو وفاة زوجته، وأفرح ناجي لقاؤه بزوجته.
ومن قصيدة ألقاها حامد نقتطف:
كنت أدري أنكم خفق جناحي
وحنين النبض للنبض
وأني، دائم اللهفة، فيكم، أنكم، شمس صباحي
وبياض اللوز، هبات النسيم، نداوة الطلاب
آهات رياحي، كلما هبت، أراكم عبرها
بلسم الروح، ورفات وشاحي
فاتن أحمد دعبول