لا يمكن تفسير ومعرفة ما شهده العالم ويشهده من حروب وسباق تسلّح ونزعة هيمنة دون التفتيش في خبايا الفلسفة التي نشأت عليها الاستراتيجية السياسية للغرب، وهي بالتأكيد ترتكز في منطلقاتها إلى نزعة فلسفية مهد وأسس لها فلاسفة كبار أمثال أمثال فريدرك نيتشه وهيغل، ولعل الفلسفة البراغماتية التي يتم الحديث عنها تحت عناوين كثيرة تستند أساساً إلى قاعدة أن الإنسان يجب يكون قوياً حتى يتمكن من الحصول على حقوقه ويعيش بحرية وكرامة ولعلها القاعدة التي ارتكز إليها هيغل في قراءته للتاريخ الذي رأى فيه سياقاً تحدد ملامحه القوة العسكرية ومركزية العقل فيه ولم تقف المسألة عند ذلك بل جرى التركيز على عنصر التفوق عند الإنسان الغربي وبالتحديد العرق الأبيض وغلبته لسائر الأعراق إلى درجة أن الفيلسوف هيغل صاحب نظرية الديالكتيك أو الجدل قد حاول تبرير ذلك بالقول إن مفهومي الحرية والوعي هما صفتان ملازمتان للعرق الجرماني تاريخياً، فحسب زعمه فقد طغت فكرة الاستبداد على ثقافة الشرق بدءاً من الصين مروراً بالهند والفرس والعرب فكانت الحرية للحاكم وبقية الرعية هم العبيد، ثم تطورت عند الإغريق والرومان بانقسام المجتمع إلى أحرار وعبيد باعتبار النخب الفكرية والمتكلمين باللغة اليونانية أحراراً وما عدا ذلك عبيد برابرة ولم تنضج وتكتمل فكرة الحرية لتكون حقاً لكل إنسان حسب هيغل إلا في المجتمعات الجرمانية وغرب أوروبا تحديداً ويعطف عليها أيضاً فكرة المعرفة العلمية فوفق فلسفته التاريخية يرى أن الحقل المعرفي الابيستمولوجي للمجتمعات الشرقية وعاء خرافة وأسطورة وتصوف ودين وهو عند الإغريق والرومان فلسفة وميتافيزيقا وخليط من الهرمسية والغنوصية بينما هو في الغرب الأوربي والجرماني وعاء علمي عقلاني تجريبي يحرر العقل من كل القيود، وبمعنى أكثر دقة يرى كل من هيغل ونيتشه ثم هيدغر وسارتر الوجوديان أن المرجعية والمركزية في ثقافة الشرق هي ابتداء للأسطورة وتطورت عبر الأديان والرسالات السماوية لتكون لله الخالق، ولكنها في ثقافة الغرب كمرجعية فهي للعقل بوصفه جهاز المعرفة الذي يؤدي إلى السعادة في معادلة طرفاها الإنسان والطبيعة.
وبالعودة للعنوان يرى هؤلاء الفلاسفة – هيغل ونيتشه – أن القوة يجب أن تعبر عن نفسها بل ورأوا في الحروب وسيلة وطريقاً للتطور والتقدم لأن السلام بزعمهم يؤدي إلى الاسترخاء والكسل والجمود من هنا توقع نيتشه أن أوروبا ستشهد حربين عالميتين، وأن أوروبا ستتحد ولكنها ستكون بقيادة ألمانية لجهة تفوق العرق الجرماني وهذا ما هو حاصل راهناً ونحن لسنا هنا أمام تنبؤات وقراءة غيب بقدر ما نحن أمام مشهدية تاريخية اجتماعية فلسفية تعتمد على معطيات علمية وقراءة تحليلة لمسار التاريخ الإنساني وعناصر القوة والضعف فيه، وهذا لا يعني بالتأكيد الاستسلام لتلك القراءات ولكن للإشارة والتنبيه لطريقة التفكير التي تحكم الفلسفة السياسية للغرب واعتمادها وتبنيها لتلك الرؤى في صياغتها لاستراتيجياتها وهي المحكومة تاريخياً بنزعة وحمى الاستعمار الذي كان وما زال مسرحه منطقتنا العربية بوصفها مركز الثقل الاقتصادي والروحي والجيواستراتيجي في الحسابات الدولية.
إن الذي يؤكد ما ذهبنا إليه هو أن القوى الكبرى وعلى الرغم من وجود منظمات دولية وأمم متحدة وحديث ممجوج عن الشرعية الدولية والعدالة الدولية واحترام السيادة إلا أنها جميعاً وبدون استثناء تمتلك أفتك الأسلحة بما فيها النووية وأسلحة الدمار الشامل وتعمل على طريقة ما كان يجري على لسان الرئيس الأميركي (روزفلت) تكلم برفق واحمل عصا غليظة من هنا يصبح امتلاك عناصر القوة بمعناها الواسع العسكرية العلمية الاقتصادية الخيار الضروري لحماية أمن واستقلال وسيادة أي دولة تريد أن تعيش بحرية وكرامة وتمتلك قراراً وطنياً مستقلاً يمكنها من عدم الدوران في أفلاك الآخرين أو الاصطفاف في أرتالهم.
KHALAF.ALMUFTAH@GMAIL.COM
د. خلف علي المفتاح
التاريخ: الاثنين 18-3-2019
الرقم: 16934