هل هي مصادفة أن يكون عيد الأمهات يوم بدء الربيع, بالتأكيد: لا, فكل يوم مع الأمهات ربيع, وعمل وعطاء, لن نمل الحديث عن عطائهن, فهن الينبوع الذي لاينضب أبدا, ولكن لابأس ان نزيد العطر اليوم بأكثر مما هو عليه, الأمهات كتاب الوجود, والغد الذي يعرف كيف ينتشلك من اللاشيء, ليضعك على طريق الفعل, في تاريخ الامومة والجمال والبهاء والضياء, لم تكن الأمومة بمعناها الواسع والأعم والأشمل إلا نقاء وقدرة على البذل والتضحية, ليس عند الانسان وحده بل للكائنات الحية كلها, هل نظرتم يوما إلى كائن آخر غير الانسان ورأيتم الامهات كيف يحطن الأبناء بكل حنان, وكيف يقفزن متوثبات عند أي خطر عليه ؟
أكيد رأيتم وفعلتم, ولن نذهب بعيدا في الحديث عن كرامة الأمومة فهذا شأن يعرفه الكثيرون, اليوم مع الدورة الطبيعية للحياة للكون, تزهر الامهات, يزهر الخصب السوري, وعدا وعطاء وفعلا, الأم مدرسة الفداء والعطاء, الصبر والأمل, كل أم في بلادي قصة وحكاية, بل هي الوطن الأكبر يعانق الوطن الأوسع والاعم والأشمل, أم الشهيد والجريح والمخطوف, أم الطبيب والعالم والمفكر, أمنا الأرض التي أثرتها بعطائها, اليوم أمر آخر في عيد الأم سورية الوطن الجغرافيا, التاريخ الحدث الأبهى في العالم كله.
لن نحتفي بالأمهات, لا, فهن من يهبن الحياة والاحتفاء بنا, كل يوم هو العيد, ولكن ما أروع اليوم أن نقف عند ما عبر عنه الشاعر القروي ذات يوم بقصيدته (حضن الأم):
روى الراوون أن عَثروا بمِصرَ
على دَرْج ٍ غَريبِ الخَطِّ مُبهَمْ
فحاولَ فهمَهُ العُلماءُ لكن
بَدا لِجماعةِ العُلماء طِلسَمْ
إلى أن حَلَّهُ الشعراء شِعراً
ومَن بالشعرِ كالشُعراءِ يَفهمْ
وذَلكَ أنه من قَبلِ عيسى
توفِّي شاعرٌ في الشرق ِمُلهَمْ
أضاعَ العُمرَ في طلبِ المَعاصي
يُحلِّلُ ما كِتابُ اللهِ حَرَّمْ
فَكادَ إلى اللَّظى يُلقَى, جزاء
لما من سيِّئ الأعمالِ قَدَّمْ
ولكن برَّهُ الأبوَينِ غطَّى
مساوئه فخُلِّصَ من جَهَنَمْ
فَنامَ بحضنِ إبراهيمَ لكن
قُبَيلَ الفجرِ شاعِرُنا تَبَرَّمْ
نعم, هذه هي الحال, شاعر يتبرم من كل شيء, جنان الخلد لاترضيه, لايعرف فيها راحة البال ولا الهدوء, فهل من شيء آخر يريده غير ذلك ؟ كيف سيكون الجزاء لأنه كان بارا بأمه, وفيا لها ؟:
وقامَ لربِّهِ يَشكو ويَبكي
بُكاءً صَيَّر الفردوس مَأتَمْ
فهدَّأ رَوعَهُ وحنا عَليهِ
وطيَّبَ قَلبهُ بِحنانهِ الجَمْ
ووسَّدَهُ يديهِ ورُكبتيهِ
ومالَ عَليهِ بالتَقبيلِ والضَمْ
وقالَ لِعبدِهِ داوودَ رَنِّمْ
لهذا البُلبُلِ الباكي فَرَنَّمْ
فَنامَ بحُضنِهِ الأبَويِّ حيناً
وعادَ يُساقطُ العَبراتِ عِندَمْ
إلى أن ضَجَّ أهلُ الخُلدِ غَيظاً
وصاحَ اللهُ من غَضَبٍ إلى كَمْ
أُطيقُ تَذمُّراً مِن عَبدِ سوء
يُجَرَّعُ كَوثَراً فَيقولُ عَلقَمْ
تَظلَّمَ في الثَّرى من غَيرِ ظُلم
وحتى في النَّعيمِ مَعي تَظَلَّمْ
أرى الشُعراءَ جازوا الحَدَّ, إني
أكادُ لِخَلقِيَ الشعراءَ أندَمْ
عَلامَ بُكاكَ يا هذا وماذا
دَهاكَ فلا تَنى تَشكو, تَكَلَّمْ
أصَفحي عَنكَ قد أبكاكَ أم ما
جُزيتَ بهِ منِ الإِحسانِ أمْ.. أمْ؟
فَصاحَ: العفوَ يا مَولاي من لي
سِواكَ ومَن سِوى الرحمَنِ يَرحَمْ
أتَيتُكَ راجياً نَقلي لِحضن
أحب إليَّ مِن هذا وأكرَمْ
لِحضنٍ طالما قد نِمتُ فيهِ
قَريرَ العَينِ بينَ الضَمِّ والشَّمْ
أما ألقَيتَ رأسكَ فوقَ صدرٍ
حَنونٍ خافقٍ بمحبَّةِ الأمْ؟
يد الأمومة الحانية هي الغاية والمرتجى, وهل من مكان صغير أكثر اتساعا ودفئا من حضن الأم, لا, لايوجد, وكان صادقا من قال: حضن الأم أكثر الأماكن صغرا ربما, لكنه الأكثر اتساعا وحنانا وعطاء للأبناء, ولابد أن الحنين إليه توق ما بعده توق:
فَدَعني مِن نَعيمِ الخُلدِ إني
نَعيمي بَينَ ذاكَ الصدرِ والفَمْ
تُربِّتُني كعادَتِها بِرفقٍ
وتُنشدُ نَمْ حبيبي بالهنا نَمْ
فَأصغى سَيدُ الأكوانِ لُطفاً
لشكوى شاعِرِ الغبراء ِواهتَمْ
وقالَ لِنفسهِ هذا مُحالٌ
أيَعلمُ شاعِرٌ ما لَستُ أعلَمْ
أيَنعمُ خاطئٌ في الأرضِ قَبلي
بما لَستُ في الفِردَوسِ أنعَمْ
لأكتَشِفَنَّ هذا السرَّ يَوماً
ولو كُلِّفتُ أن أشقى وأُعدَمْ
وكانَت لَيلَةٌ وإذا صَبيٌ
صَغيرٌ نائِمٌ في حضنِ مَريَمْ.
هذه هي الأمومة والفعل والعطاء, مع ربيع كل ثانية بهذا الكون الأمهات هنا الجمال والثراء,,امنا الأكبر سورية الخير, والقدرة على البهاء والصمود, كل عام والأمهات بخير: وكما قال أحد الشعراء: وإذا لم تكن الامهات كتابا فكيف يقرأ الأبناء ؟ سنقرأ بكتاب الأمهات ليكون الوطن أكثر جمالا, كل عام وهن بألف خير.
Yomn.abbas@gmail.com
يمن سليمان عباس
التاريخ: الخميس 21-3-2019
الرقم: 16937