ما يجري في هذا المشهد المسمى عالميا -غريب عجيب -لا يكاد يصحو المتابع من صدمة حماقة ما حتى يجد نفسه أمام أخرى أكثر فجاجة وفظاعة، وكأن مطلقيها خارج الواقع والحياة والتاريخ، بل ربما نصبوا أنفسهم حكاما قدريين لهذا الكون، يعطون، ويأخذون، يعاقبون، ويقتلون، وكله حسب لوثة المصالح الصهيونية الضيقة التي لا ترى الآخر إلا اداة للاستخدام، فالإدارة الأميركية لم تكن خارج هذا المنحى في يوم من الأيام، لكن فجاجتها بلغت الذروة، وكشر ترامب عن كل الأنياب التي كان بعض الصمت يسترها.
بجرة قلم، بغمضة عين، يظن أنه يوزع ميراث أبيه على بني صهيون.. الجولان العربي السوري، ومن قبله القدس، والعمل على اتباع الضفة الغربية بحالة كونغرس كهذه.. يقرر ويشرع للعالم، يحيل الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، ومن ثم يتشدقون بالحديث عن حريات وكرامات وديمقراطيات، ما قاله ترامب في واقع الأمر ليس إلا هرطقة عابرة، فحقائق التاريخ لايغيرها الحمقى، ولكنه أيضا ليس أمرا عاديا،ولايجب أن يمر مرور الكرام، فالعالم كله اليوم مطالب بوقفة واحدة ضد هذه الحماقات الكبرى،من الأمم المتحدة إلى الدول إلى المنظمات التي تدعي أنها حارسة للقانون الدولي، فالأمر خطر جداً، اليوم الجولان،وغدا منطقة أخرى من العالم، اليوم فنزويلا ومحاولة نهب ثرواتها،وبعدها القائمة طويلة،لا أحد يدري إلى أين ستصل،واللافت في الأمر أن صوت العقل في المؤسسات التشريعية الأميركية معدوم تماما،ربما مازالوا يعيشون سطوة حربهم ضد الهنود الحمر، وغرهم أن الكثير من التبّع يصمتون، ليس بإمكانهم البوح بحرف واحد .
العالم الذي كسرت قطبيته الأحادية بفضل الصمود السوري،مطالب اليوم بكل قوة أن يعلن بصوت لالبس، لاخجل أن هذه الحماقات ستودي في نهاية المطاف إلى نتائج لا أحد يعرف كيف ستكون، فالقوة الظالمة، أو حق القوة قد يسيطر وقتا من الزمن، وينتهي.. وهذه أحوال الامبراطوريات التي تعاقبت،ولكن إرادة الشعوب هي التي تنتصر في النهاية،بقدر ما هي هرطقات تلك التغريدات الحمقى، بقدر ما هي تؤسس لشرخ عميق وتقود إلى مواجهات قادمة لاريب بذلك،فلا بضع كلمات تمنع حقا أزليا لنا بالجولان، ولا الجراح التي نحن فيها ستبقى، أنجزنا نصرا سيكتمل بالجولان وسط سورية، وليس الأمر بلاغة، ولا تغريدات، فتغريدات الدم من أجل الحياة غير تلك الحمقى .
كتب ديب علي حسن
التاريخ: الثلاثاء 26-3-2019
الرقم: 16940