عندما نتحدث عن الشاعر السوري عمر النص فإننا نتحدث عن الزمن الجميل للشعر والقصة والمسرح.. نتحدث عن مَن أخبرتنا عنه أشعاره ومؤلفاته وليس شهرته أو حضوره بالمنابر.. كتب بصمت ورحل بصمت لكن إبداعه كان الحب الذي جمعنا جميعاً.. لنتبادل الحكايات والروايات حول من قال عنه ذات يوم الشاعر الكبير بدوي الجبل: «إنه شاعر العرب الأكبر».
ضمن فعاليات مهرجان دمشق الثقافي أقيم في مكتبة الأسد الوطنية ندوة قامات في الفكر واﻷدب والحياة تحت عنوان (الشاعر عمر النص بين الدبلوماسية واﻷدب) حيث شارك فيها د.محمد شفيق البيطار ود.محمد قاسم ود.احسان النص وأ.عصام الحلبي وأدار الندوة د.اسماعيل مروة.
وأكد د.اسماعيل مروة في البداية أن الشاعر عمر النص مولود 1928 وقد توفي سنة 2013, وأنه كان على دراية كبيرة بالعربية والفصاحة, مشيراً إلى أنه قدم الكثير من الأعمال الشعرية المهمة, وأنه كان مثالاً للتجديد في شعره, ومساهماً في تطور الشعر العربي.
وخلال الندوة أكد السيد محمد الأحمد وزير الثقافة في كلمة له أن عمر النص شاعراً وإنساناً ورجلاً وسيماً نبيلاً، وهو مثال فريد لالتحام المضمون العميق بالشكل البهي.. مشيراً أن وزارة الثقافة تفتخر باستذكار ماخلفه لنا عمر النص من فيض مشاعر وتجليات روح.
وقال: كان جدي بدوي الجبل، يشجعنا على القراءة أنا وبقية أحفاده, وذات يوم رأيت جدي قدم لي كتابين قائلاً لي: إقرأ هذا الشعر، وحين قرأَتَهُ سحرت به، وأصابني دوار المفتون، وسكرة المأخوذ،ودهشة الوقوف في حضرة الجمال.. لقد كان هذان الكتابان أول ديوانين يصدرهما شاعرنا الكبير عمر النص، الذي نحتفي به ولهذا جاء ديوانا «كانت لنا أيام» و«الليل في الدروب» ليتركا في قلبي وقتئذ ما يتركه المطر الكريم في قاحل الأرض وأديمها المغير.
وألقى الأحمد عدداً من الأبيات للشاعر الكبير قال:
أأَنْتِ كَتَبتِ أحَرُفَها أَانْتِ؟
وَكَيْف كَتَبَتِها وَلِمَنْ كَتَبَت؟
الي هذا الأريج يَدَق بابي
ويقهر وحشتي ويدك صمتي
أَقبلها.. وَأَدفنها بصدري
كأَنّك خلف أحرفها استترت!
أتلك قُصاصة؟ أأنا خيال
تهم شجونه فتكاد تحكي؟
يكاد الأمس يَلُهث في عروقي
وَيَزرع في جفوني ألف شك
بعثت بها إلي فجن شوقي
ونوت بوحشتي وسئمتُ نسَكي
فأَتركها على رهق وَأَمْنِ
وتترُكُني على قلق وفتك
أحاول أَن أَكلَمُها فاعيا
فَاقَرأ ثم أَقرأ.. ثم أبكي!
بدوره الدكتور محمد شفيق البيطار تحدث عن الموسيقا في شعر عمر النص,مبينا أن ديوانه جاء غزيرا بها كما هو غزير بشاعريته, فالنص بنى قصائد ديوانه الأول «كانت لنا أيام» على سبعة بحور وهي الخفيف 6 قصائد، الطويل 5 قصائد, والمتقارب 5 قصائد, الوافر 4قصائد، الرمل 3قصائد, والسريع 3 قصائد, الكامل قصيدتان، ويلحظ أن البحر الخفيف استأثر بوزن ست قصائد وهو بحر محبب لدى أصحاب النزعة الرومنسية، في حين غلب البحر الخفيف والطويل على الكثير من قصائده ذات الصبغة التأملية أو الفلسفية، واعتمادهعلى المجزوءات في المواقف التي تهز وجدانه من ألم أو فرح.
من جهته الدكتور محمد قاسم تناول موضوع «اللغة في شعر عمر النص» و فيه أشار إلى أن النص شاعر رومانسي من طبقة الشعراء الإنكليز أمثال (شيلي وبايرون) تناول الألم والذات والشكوى والمواجد الفردية في قصائده واتبع ديباجة الشعر العربي القديم ففي شعره تشابه كبير مع البحتري يمثل اللغة الأنيقة والتجديد في الشكل والمضمون العميق.
وقال قاسم: كانت حياة عمر النص ملأى بطلب العلم بلغات ثلاث «العربية والفرنسية والانكليزية» وبالعمل في حقل السياسة والاقتصاد، و إن ما جُبل عليه النص من كريم الطباع, أبى أن يختطفه بهرج الحداثة أو أن تستحقه الشهرة.
وأضاف: الملاحظة العامة على لغة عمر النص هو ثقافته الواسعة بالتراث العربي, واطلاعه عليه وتمرسه بأساليبه, وافتتنانه بأعلام العمالقة مثل البحتري الذي أوصله إلى صفاء لغته ومنحه وطناً للشعر يركن إليه.
أما الدكتور إحسان النص نجل الشاعر الكبير فقدم نبذة عن الشاعر بعنوان «الوالد في صورة وجدانية» تحدث من خلالها عن محطات كثيرة ومواقف عديدة عامرة بكل معاني العطاء والحب والإخلاص، مشيراً أن والده كان بحر عميق يمكن أن يغترف منه كل طالب علم وكل حريص لمعرفة هذه الشخصية الفذة، وكنز ثمين لكل من عرفه وعاش معه.. لافتاً أن والده كتب المسرح والقصة إضافة إلى الشعر, وفي رصيده عدد من المسرحيات جمعت باسم الأعمال المسرحية الكاملة.
وتابع د. إحسان: عمر النص هو الغائب الحاضر بيننا، غائب بجسده فقط ولكنه حي حاضر بأخلاقه الكريمة وقيمه الإنسانية وإنتاجه الثري الذي خلفه وبصماته المؤثرة التي تركها شاهدا على حياة زاخرة بالعطاء والخير العميم.
و في الختام ألقى أ.عصام الحلبي قصيدة شعرية للشاعر الكبير.
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الأثنين 15-4-2019
رقم العدد : 16957