لم تفقده الغربة والابتعاد عن الوطن هذا البريق الحي الذي يسكن في عينيه، وقد تعلق قلبه في كل ذرة تراب من وطنه الأم سورية، ولم تغره البلاد البعيدة بساحاتها وبذخها ليحط في رحالها دون أن يسكن الوطن في داخله بياسمينه وحجارته وأناسه الطيبين.
واليوم إذ يعود بعد غربة تجاوزت الـ 34 عاما، يعود مكرما في وطنه وسط الأصدقاء والأحبة, والذي انتظره طويلا ليعود إليه محملا بالشوق والحنين.
الفنان سهيل بدور الذي اختار الرسم والنحت نافذة له على العالم، واجتهد في عالمه حتى أصبح واحدا من أبرز التشكيليين العرب المطلين على العالمية.
عالمه أخاذ ساحر، وريشته شفافة باذخة الجمال، وألوانه تضج بالفرح والانتظار، وفي لوحته تمتزج الأنوثة بالموسيقا لتشكلا معا سيمفونية من الحب والحلم.
أكثر من أربعين فنانا وفنانة اجتمعوا في حفل التكريم ليعبروا عبر إهداءاتهم عن محبتهم للفنان الصديق سهيل بدور في الاحتفالية التي أقامتها وزارة الثقافة في المركز الثقافي العربي بالعدوي، والتي تضمنت معرضا ضم لوحات لفنانين من مدارس مختلفة وعددا من المنحوتات الهامة ولوحات بورتريه للفنان سهيل بدور، تلا المعرض ندوة تكريمية أدارتها الإعلامية أنسام السيد التي عرضت بعضا من المحطات الهامة في حياة الفنان المكرم، وقدمت لفيلم يحكي حياة الفنان والنحات بدور وكيف استطاع بصبره وجديته ومواظبته أن يدخل عالم الفن التشكيلي من أبوابه الواسعة ليضيف إلى المشهد التشكيلي علما جديدا من أعلامه.
تجربة خاصة
وفي مداخلته بين الفنان د. محمد غنوم أن أهم ما يميز تجربة الفنان بدور أنها تجربة خاصة، فهو متعدد المواهب، رسام، نحات، إضافة إلى موهبته في الشعر والمسرح، وقد استطاع أن يفيد من تجربة الرواد وينطلق منها إلى عالمه الخاص.
وأضاف: يتسم الفن عند بدور بالجرأة والشجاعة في الطرح والتعاطي مع الفن البصري، وهو بعد ذلك يسير باتجاه الحداثة، فنراه دائم التجدد والنضج حتى بات صاحب إحدى التجارب التي ترفد الحركة التشكيلية في سورية والوطن العربي.
فنان مثابر
ويرى الفنان التشكيلي أيمن الدقر أن بدور يتمتع بصفات خاصة فهو دائم البحث والتجريب، يتمتع بإخلاص لفنه وقدرة على المتابعة والعمل الدؤوب، وهذا ما جعله واحدا من نجوم الفن التشكيلي السوري والعربي.
والتكريم اليوم هو تكريم لكل الفنانين في الآن نفسه، ومن الجميل أن يكرم الفنان وهو في قمة عطائه ويشهد بأم عينه معنى أن يكرم الفنان في وطنه وفي حياته ليكون ذلك عرفانا له وكلمة شكر استحقها بجدارة لما قدمه من قيمة مضافة على المشهد في الفن التشكيلي.
عالم من الفرح
ولفت الناقد سعد القاسم إلى أهمية الكتاب الذي ألفه الفنان سهيل بدور تحدث فيه عن تجربته الفنية ليضع أمام النقاد والباحثين مرجعا هاما عن أسلوبه ومدرسته في الرسم والنحت موثقا في ذلك مراحل تطور نتاجاته الفنية ليضعها بين يدي المتلقي، وهذه مبادرة هامة حبذا لو طبقها الفنانون ليقدموا تجاربهم من خلال رؤيتهم هم، قبل أن يتناولها النقاد بالبحث والدراسة.
واللافت في لوحات المكرم بدور انتصارها لعالم الفرح والألوان الصارخة الواضحة التي تتحدى كل أزمات الزمن وعثراته، ليمنح هذا الشعور بالأمل للقادم من الأيام، كما تتميز لوحاته بمساحاتها الواسعة كبيرة الحجم.
يوم استثنائي
«مساحة كبيرة للحب من وطني في يوم استثنائي وسيبقى ديناً في رقبتي لهذا الوطن وللزملاء من الفنانين الذين عبروا عن محبتهم على طريقتهم بعد غيابي الطويل في بلاد الاغتراب».
بهذه الكلمات عبر الفنان بدور عن فرحه بالتكريم وهو الذي شهد تكريمات كثيرة في غير مكان، لكن يبقى لتكريم الوطن نكهة خاصة مطعمة بالمحبة والوفاء.
وبين بدوره أن الغربة لاشك أغنت تجربته وأضافت إليه المشاهدة البصرية الواسعة، وولدت لديه ثقافة مختلفة ضمنها ما يحمله من ذاكرة الوطن، وبعد ستين عاما أقدم تجربتي التي تتضمن التجريد والبحث التي حضرت فيها المرأة والموسيقا لتشكلا معا سيمفونية المحبة والحلم والانتظار الدائم، وأشار إلى الجدارية التي يشتغل عليها كحلم طالما أراده عن الشاعر الراحل محمود درويش.
ويرى بدور أن الفن التشكيلي السوري يشكل أحد أقانيم الفن العربي ويزدهر باستمرار.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الأثنين 15-4-2019
رقم العدد : 16957