يظن الكثيرون أن رحيل الكاتب أو المفكر جسداً عن هذا العالم يطوي الكثير مما قدمه, ويذهب هؤلاء في القول: إن حضور الكاتب أو الشاعر يعطيه شهرة من خلال طغيان حضوره المتألق كما حال محمود درويش ونزار قباني, ولكن الأمر ليس هكذا أبداً فقد رحل القباني ودرويش وآخرون لكن حضورهم ظل كما كان.
من هنا نرى أن الأفكار الكبرى لا تموت قد يمضي زمن على بقائها غريبة لكن لحظة الإنتاش تحل وتزهو, هذه حال الكاتب والمفكر سعد صائب الذي تحتفي به الهيئة العامة للكتاب من خلال إصدار كتاب جيد ومهم على الرغم من صغر حجمه لكنه ثري وغني بما يقدمه و قد حمل عنوان «سعد صائب» تأليف سراج احمد الجراد.
يقف المؤلف عند محطات مهمة في حياة ونشأة سعد الذي حمل أولاً اسم سعاد ولكن أخاه المحامي الذي تخرج في السوربون رفع لتغيير الاسم إلى سعد وكان له ذلك.
نشأ سعد في بيئة علم ومعرفة في دير الزور وكان من أصدقائه شفيق الكمالي, درس المرحلة الابتدائية في البوكمال ثم اكمل المرحلة الثانوية بدمشق لينتقل بعدها إلى لبنان لينال الشهادة الجامعية في الأدب العربي.
قضى عمره في القراءة والبحث والتأليف وهو يعترف فيما قاله: إنه منذ أن صاحب الكتاب لم يغادره أبداً يقرأ باليوم اكثر من ٩ ساعات ويستريح فترة قصيرة ليعود إلى الكتابة, يصحو حين يكون الجميع نياماً.
وحين سأله أحدهم عن عمره أجاب قائلاً: مئة وسبعة وأربعون كتاباً, لكن السائل أعاد طرح السؤال: فعاد سعد ليقول اعرف ذلك, انا لا أقيس العمر إلا بما أقدّمه وأنتجه وأقدمه للناس.
من هنا كانت مدارات بحثه في الأدب والفكر ودور المثقفين في نشر الوعي المعرفي وهو يرى أن الأدب الذي لا يتوجه للمجتمع خاو لامعنى له, ومنذ نصف قرن وهو يطرح ذلك في كلّ ما كتبه وعمل من أجله بدءاً من كتابه أن الأوان إلى نداء للمثقفين.
ويحسب للكاتب انه ترجم الكثير من روائع الأدب الصيني وكانت رؤاه محقة بذلك فقد أهمل هذا الأدب زمناً طويلاً.
سعد صائب بعد نصف قرن مازال سؤاله مطروحاً حول الأدب والفكر والناس ودور المثقف الحقيقي والجواب ليس مفقوداً أبداً بل مبثوث في كل ما قدمه وهو عمره الخالد والباقي.
يمن سليمان عباس
Yomn.abbas@gmail.com
التاريخ: الأثنين 15-4-2019
رقم العدد : 16957