في المناظرة التي جرت منذ أيام بين الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك وعالم النفس الكندي جوردان بيترسون، تحت عنوان «السعادة: رأسمالية أم ماركسية» والتي وصلت فيها قيمة البطاقات المتبقية لحضورها إلى (1500) دولار.. تمّ تلقي هذا الحدث الثقافي الفكري وفق مستويات عدة..
البعض اعتبره مؤشراً على عودة الحماسة نحو قضايا فكرية فلسفية على هيئة مناظرة بين رجلين ذوي مكانة مؤثرة بالرأي العام عبر السوشال ميديا، مع أن جيجيك لا يمتلك أياً من أنواعها لكنه نجم على الميديا.
بينما يقف آخرون ليروا أنها نوع من تسليع المنتج الثقافي المعرفي والتعاطي معه كشيء يتم استهلاكه، لاسيما حين يكون قطبا الحدث ظاهرةً إعلامية أفرزتها وكرّستها وسائل الإنتاج الإعلامي وصولاً إلى صنمية السلعة/الثقافة التي تحدث عنها تيودور أدورنو.
بأسوأ الأحوال، صنعت المناظرة حراكاً فكرياً، سواء أكان مع أو ضد.. وأعادت إلى التداول الكثير من المصطلحات والمفاهيم الفكرية التي لربما اعتقدنا أنها أصبحت موضة قديمة.
لوهلة، لك أن تتمتع بجمالية فكرة أن تكون «الثقافة/المعرفة»، سلعةً.. والأجمل أن تكون سلعة متوفرة، مهما ارتفع سعرها..
المشكلة حين تصبح غير حاضرة.. مفقودة.. كأي شيء يتم تخزينه ليرتفع سعره..
بعرف الحروب والأزمات، لا تغدو مفقودة أو كتيمة، إنما مُغيّبة.. كآخر شيء يُحتاج إليه.. فائض عن الحاجة بمختلف طقوسها..
في مداخلته، ذكر جيجيك النموذج الصيني مثالاً على محاور المناظرة: السعادة، الماركسية، والرأسمالية.. فكيف ارتفع مئات ملايين الأفراد من الفقر المدقع إلى الطبقة المتوسطة.. يرى أنها «جمعت بين جوهر الشيوعية، وديناميكية الرأسمالية، بهدف سعادة معظم الشعب».
برأيه، السعادة «فكرة مشوّشة».. وتزداد تشويشاً حين الحديث عنها في ظل الأزمات.. كأنما تختلط بتهمة «الترف»..
هل يُعتبر ترفاً فكرياً القيام بمناظرات جدّية بمختلف اختصاصات العيش، في بقعة أرض لوّثتها الحرب..ليصبح الحديث عن هذا الترف الفكري «لزوم ما لا يلزم».. أو هكذا يُراد له أن يكون..؟
أو لعله ترفٌ خيالي في بقعة جغرافيا لم تعتد فن المناظرات الفلسفية بالأصل..؟
بمقياس «الآن وهنا».. تُصبغ الأشياء لا بلون الترف، إنما بلون الضروريات.. لا غير.
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com التاريخ: الخميس 25-4-2019
رقم العدد : 16964
السابق
التالي