كانت وما زالت تداعيات الحرب العدوانية الظالمة على بلدنا تضغط بأوزارها القاسية، ما حمل معها كل أشكال التغيير الاقتصادي والاجتماعي اللذين أغرقا الشعب السوري في أمور لم يكن معتاداً عليها سابقاً، فمنهم من استطاع بقوته وصبره مواجهتها، ومنهم من تراه يحاول ذلك ومنهم من اختار السفر طريقاً له للخروج من هذه الظروف التي ربما أتعبت كاهله وأرهقت تفكيره.
ولكن اللافت للنظر أن المرأة السورية قدمت في هذه الظروف الصعبة كل ما لديها من قدرات لتواكب كل التغييرات الحاصلة أو لتتغلب عليها لأن الكثير منهن تعرض للنزوح وأحياناً أخرى للتخلي عن الكثير من الأمور التي اعتدن عليها نتيجة الضغوط المادية السيئة التي ترافقت مع ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء المادية التي شكلت هماً كبيراً على كاهل كل أسرة سورية.
وبالتالي بات التخطيط الاقتصادي لميزانية الأسرة أمراً ضرورياً لإدارة حياة أسرية سليمة في ظل اتساع دائرة الاحتياجات التي يقابلها زيادة مستمرة في أسعار السلع والخدمات ما اضطر للتفكير في إيجاد حلول لبعض المصروفات خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة التي تكون فيها الدخول محدودة، ما أجبر الكثير من الرجال على قبول عمل زوجاتهم لإعانتهم في سد نفقات المنزل اليومية فهم بحاجة لتغطية مصاريف الطعام والشراب والفواتير الشهرية وكذلك مصاريف تعليم الأولاد حيث أصبح أغلب الطلاب يحتاجون الدروس الخصوصية لإكمال واجباتهم المدرسية والتعليمية.
عمل إضافي
حيث ذكر لنا السيد مهند محمد أب لثلاثة أولاد بأن مصاريف المنزل أرهقته إذ لم يعد قادراً على سدها ما اضطره لإيجاد عمل لزوجته التي يكفيها برأيه عملها المرهق في منزله وعمل إضافي له مساء وذلك لسد نفقات إيجار السكن والمصارف اليومية لأسرته رغم اكتفائهم حسب قوله بالقليل من الحاجيات الأساسية التي تشمل الطعام البسيط والخبز اليومي ولا شيء آخر سواها.
محل تجاري
في حين أكدت لنا السيدة إلهام ابراهيم وهي أم لخمسة أولاد بأن زوجها اضطر أن يغير عاداته الاجتماعية المتوارثة سابقاً بعدم خروج المرأة للعمل ووافق على عملها خارج المنزل في محل تجاري لبيع الألبسة حيث تضطر أحياناً لمسح المحل وتنظيفه في سبيل الوصول إلى دخل إضافي يمكنها من مساعدة زوجها ومساندته في هذه الحياة الصعبة رغم كل المتاعب التي تتعرض لها.
الاقتراض من الأهل
فيما ذكرت لنا السيدة مها سليمان موظفة وأم لثلاثة أطفال بأنه تخرج من المنزل صباحاً بعد إطعام أطفالها وتحضير زواداتهم وإرسالهم إلى مدارسهم وروضاتهم إلى عملها لتحمل أعبائه اليومية علها تستطيع من خلاله المساعدة في تغطية النفقات اليومية مبينة لنا بأنها تعمل أيضاً بعد عودتها مدرسة وطباخة ومدبرة منزل ولا ترتاح طيلة نهارها محاولة بذلك التخفيف من الأعباء الإضافية للأسرة ورغم ذلك قد يضطرون في نهاية الشهر للاقتراض من الأهل أو عن طريق المصارف أحياناً وهذا من المعلوم سيشكل أعباء أخرى على المرتب الشهري في المستقبل القريب.
وبهذا نجد أن المرأة السورية قدمت كل ما بوسعها في سبيل بقاء أسرتها قوية متماسكة وشاركت الرجل في مختلف الميادين واضطرت لتحمل الكثير من الأمور التي زادت في تعبها ومسؤولياتها هذا فضلاً عن الأمور الأخرى التي اضطرت لتحملها وهي احتياجات أولادها النفسية والاجتماعية، وأحياناً كثيرة تعويضهم عن خسارة الأب وأضرار الحرب بما خلفته من مخاوف وعقد نفسية تكاد تكون أصعب من أي أمر آخر.
فالحب ما زال قائماً والمرأة السورية ما زالت تعمل ليلاً ونهاراً بكل قوة وعزيمة وإيمان متواجدة في الأسواق والمصانع وخطوط الإنتاج تعمل لتعيل مجتمعها بحضورها وأسرتها في حاجياتها اليومية والتعليمية.. نراها تقدم الشهداء وتنتظر عودة أبنائها الغائبين متمنية لم الشمل وانتهاء الحرب والبدء بالعودة إلى الحياة الطبيعية من جديد دون الخوف من شظايا الحرب ومرارة التفجير، آملة بأن الغد سيكون أجمل وأفضل.
فالتقدير لكل السواعد المنتجة من ذكور وإناث وللمرأة السورية المضحية المعطاءة باقة حب بوسع الوطن.
زهور رمضان
التاريخ: الجمعة 3-5-2019
الرقم: 16970