وصلنا القرية مساء لتقديم واجب عزاء بشاب في مقتبل العمر كان مشروع طبيب يخدم قريته ومجتمعه , لكن يد القدر خطفته في لحظة غادرة من جنون دراجة نارية أفقدته حياته ومستقبله , وتركت وراءه أماً ثكلى وأباً كسر ظهره.. بموت حلمه الكبير .. ابنه ,فهو ابن القرية المعروف بخلقه الرفيع وتهذيبه , فهو لم يرد يوما أحدا ما خائبا طوال عمره القصير ما جعل أبناء القرية كبارها وصغارها يشاركون في تشييع جثمانه .
أهل القرية وقفوا وقفة واحدة أمام هذا المصاب الجلل مع هذه الأسرة ,وقاموا بتقديم كل الواجبات التي عاتقهم من مأكل ومصاريف العزاء وغيرها,فكان الطعام يقدم من قبل الأقارب حسب الدور , لأهل المتوفى الذين بدورهم كانوا يوزعون جزءا منه على الأسر الفقيرة , هي عادة نعتز بها ونفتخر, ولازالت موجودة إلى الآن, والتي تتزامن مع أيام البخور التي يقوم فيها أهل المتوفى وأقاربه طوال فترة العزاء الممتدة لأسبوع .
هذه القرية وككل القرى الريف السوري قدمت العديد من الشهداء رووا بدمائهم الزكية أرض الوطن الطاهر , وككل القرى عانت ما عانت من تبعات الحرب القذرة بكل توابعها وخلفياتها , ودفع أهلها ثمنا باهظا من أرواح أبنائهم, ولازال التصميم هو شعارهم على السير نحو وطن آمن وسالم , ولكن البعض من ذوي النفوس الضعيفة وللحمد هم قلائل يحاولون كسر الهدوء الذي تنعم فيه هذه المناطق ففي حادث غريب عن طباع الأهالي الطيبة تعرض الشاب محمد من أبناء القرية يعمل كسائق أجرة وهو في طريقه لتلبية طلب أحد المواطنين , وقد بدأ الظلام يزحف رويدا رويدا فتراءى له شبحين ملثمين ومسلحين يقفان على بعد أمتار قاطعين الطريق , لم يكن هناك وقت للتفكير فقد حسم أمره ونفذ بوضع قدمه على «دعسة» البنزين وقد أطلق العنان لسيارته بسرعتها القصوى ليمر كلمح البصر ,بينما أصوات الرصاص تلاحقه ليختفي عن العيون في إحدى الطرق الفرعية الموزعة على جانبي الطريق الرئيسي , ولم تتوقف هذه الحوادث فهناك من قتل من أجل دراجة نارية مستغلا الظلام الدامس,الذي يلف أرجاء المنطقة نظرا لخلو الأعمدة الكهربائية الممتدة على طوال الطريق والطرق الفرعية وقد افتقرت للمصابيح التي تلعب دورا في الحد لكل من تسول نفسه لارتكاب الجريمة وبالتالي تنهي بشكل من الأشكال الكوارث والماسي التي لا تنقص سكان تلك المناطق , فهم بالكاد يؤمنون كفاف يومهم ولقمة عيشهم .
فليس أجمل من قرانا ومدننا الممتدة والمنتشرة في السهول والجبال على طول الرمل والشط وهي تنعم بالأمان والهدوء كما ألفناها .
فاطمة حسين
التاريخ: الاثنين 13-5-2019
الرقم: 16976