على وقع قرقعة السلاح ـ وهي عادة أميركية متأصلة ـ وإرسال حاملات الطائرات والقاذفات الإستراتيجية إلى الخليج، عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريح له الحوار والتفاوض مع إيران من أجل التوصل إلى «اتفاق» جديد بشأن برنامجها النووي، بعد أن قام بإلغاء اتفاق تاريخي استغرق إنجازه نحو 13 عاماً من المفاوضات الشاقة والمضنية، معتقداً أن هذه الطريقة «الشايلوكية» بالابتزاز والتهديد يمكن أن تجدي مع إيران التي أنجزت ثورتها كل ما أنجزته من عوامل قوة وصمود وتنمية في ظل حالة من العداء والحصار الأميركي والغربي الخانقين.
من الواضح أن رسائل ترامب الجديدة باتجاه إيران قد أخطأت العنوان، إذ لم يُعرفْ عن إيران منذ انتصار ثورتها أنها خضعت للضغط والابتزاز الأميركي أو غيّرت قناعاتها ومبادئها نتيجة التهديد والوعيد، بل على العكس تماماً حيث برهنت أحداث كثيرة شهدتها المنطقة أن الثورة الإيرانية كانت وفية لمصالح شعبها وللقضايا التي تبنتها على مستوى المنطقة والعالم، وهو ما اضطرها لتسديد أثمان باهظة دفاعاً عن قناعاتها ومواقفها، لتثبت مرة بعد أخرى أنها صديق وحليف الذي يمكن التعويل عليه في مختلف الظروف والمناسبات.
ليس سراً أن البرنامج النووي الإيراني ـ ذا الطبيعة السلمية بالمناسبة ـ هو آخر ما يريد ترامب التفاوض حوله، إذ تكشف التصريحات الأميركية المتكررة أن الأزمة المفتعلة مع إيران تتعلق بقضايا أخرى كالموقف من الكيان الصهيوني المحتل ودعم المقاومة وقضية الشعب الفلسطيني وصولاً إلى الدور الحيوي الذي تلعبه إيران على مستوى المنطقة، والذي ساهم كثيراً بإفشال معظم المشاريع الأميركية والصهيونية في المنطقة من أفغانستان إلى فلسطين مروراً بالعراق وسورية ولبنان.
ثمة مثل يقول: «إذا عرف السبب بطل العجب»، ففي الوضعية الترامبية يمكن القول: إن الفشل الأميركي في سورية ولبنان والعراق والعجز عن حشد الدعم اللازم لاستكمال «صفقة القرن» هو سبب الحالة المتذبذبة التي يمر بها ترامب ـ مرة يهدد، ومرة يعرض الحوار ـ فمن الواضح أنه بأمس الحاجة لمن ينزله عن شجرة الغرور التي أصعدته إليها حالة من الانقياد الأوروبي والوضاعة الخليجية في التبعية لواشنطن والخضوع لإملاءاتها، ويقيناً أن المسألة مع إيران ستكون مختلفة، لأن إشعال النيران في الخليج لن يكون في مصلحة واشنطن وأدواتها.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الاثنين 13-5-2019
الرقم: 16976