كي تبقى نعمة كبيرة

تشكل صالات السورية للتجارة سوقاً حكومياً منافساً في أسعار كثير من السلع الغذائية والمنتجات الزراعية، وبهذا المعنى هي سوق موازية لأسواق تزدحم بمئات ألوف المحال والبسطات، أغلب فرسانها مرضى بالجشع، يركضون نحو الربح الفاحش الحرام غير عابئين بأي قيم أو أعراف أو تقاليد.
إن أعداءها كثر، لا أتوجه إليهم بل إلى ملايين الناس من ذوي الدخل المحدود الذين يقيمون وزناً للمئة ليرة والخمسين ليرة ولا أريد لهم الذهاب إلى أسواق رخيصة غير موثوقة (وفي مأثورنا أن الرخص (بيرجف))، لا أتجاهل وجود خلط مذهل للأوراق وسخرية مريرة كأنها تسعى إلى الإضحاك في مأتم، وطرح حلول على شاكلة كالمستجير من الرمضاء بالنار، كالدعوة إلى إطلاق يد القطاع الخاص أكثر فأكثر لتحسين الوضع المعيشي للناس، في وقت بات فيه الخاص مساهماً في ٨٠% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو بالتجربة الملموسة لا يلتزم بسعر محدد أو معقول، ويصعب ردعه، بالرقابة الصارمة بسبب الحاجة إلى جيش من المراقبين المدججين بوسائل نقل واتصال ووقود وحوافز – وهذا كله مستحيل تاريخياً، والرقابة المتوفرة رمزية – لا أكثر ولا أقل.
اعتمد في المراهنة على تلك الصالات كحل اقتصادي مريح شعبياً، بالاستناد إلى مادتين أساسيتين هما: السكر إذ يباع في الصالات والمجمعات الحكومية بـ ٢١٥ ليرة للكغ الواحد مقابل ٣٢٥-٣٥٠ ليرة في الأسواق الخاصة وهذا سعر فاحش علماً أن الشعب السوري مستهلك كبير لتلك المادة (٨٠٠ ألف طن تقريباً في السنة جله مستورد طيلة سنوات الحرب وحتى في مرحلة ما قبل الحرب كان إنتاجنا مئة ألف طن مما كنّا نزرع من شوندر)، المثال الثاني: اللحوم الحمراء، عجل وغنم الفارق في السعر ألف ليرة في الكيلو غرام الواحد في صالات السورية للتجارة.
ولهذا يجب أن تبقى تلك الصالات مفتوحة في وجه الناس، لقد فوجئت أنها راحت تغلق أبوابها في الساعة ٦،٣٠ مساء خلافاً للعادة في أي رمضان مضى، ما يجعل المواطن فريسة للباعة أغلبهم على الرصيف يبيعون الليمون الحامض بـ ٥٠٠ ل.س للكغ مقابل ٢٢٥ في صالات الحكومة والتفاح ٦٠٠ مقابل ٣٥٠ في الصالات. كانوا تاريخياً يفطرون في مكان العمل ويفتحون الأبواب بعد نصف ساعة.
والمسألة أكبر، إن أسواقنا تفتح لما بعد منتصف الليل، أي إن تلك الصالات تعمل نصف دوام وهي نقطة في بحر الأسواق (المتغولة) في شغفها للربح. والأنكى أن تلك الصالات لا تعلن عن ساعات دوامها، على أبوابها وهي لا تزال تتشاجر مع الزبائن بشأن الخمسين ليرة غير المتوفرة، في إصرار رهيب على عدم الذهاب إلى – المصرف المركزي – للحصول على الخمسين الحديد الجديدة. التدخل الحكومي الإيجابي هو الحل العملي لإنقاذ الناس من وحشية الجشع والإقبال المحموم على الربح الحرام لدى باعة بلا وازع أو رادع. وبهذا المعنى فإن صالات السورية للتجارة هي المنقذ والملاذ بشرط أن تحسن الحضور في الأسواق عبر دوام ملائم ومن خلال زيادة عددها زيادة كبيرة لتتحول إلى أسواق موازية، نظيفة حضارية مضمونة وعادلة، وهكذا تبقى نعمة كبيرة.
ميشيل خياط

 

التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979

آخر الأخبار
رقابة غائبة وتجار متحكمون.. من يدير الأسواق والأسعار؟ الخريجون الأوائل من الجامعات  للتعيين المباشر في المدارس   تأهيل ثلاث مدارس في ريف دير الزور  التنمية الإدارية تنشر قوائم تضم 40,846 مفصولاً تمهيداً لإعادتهم إلى العمل  تحالف للاقتصاد السوري السعودي.. د. إبراهيم قوشجي لـ"الثورة": لا يخلو من التحديات ويفتح أسواقاً جديد... "أوتشا": خطة إسرائيل لاحتلال غزة تنذر بكارثة إنسانية   الصناعة والتجارة الأردنية: 200إلى 250 شاحنة تدخل سوريا يومياً تعرفة الكهرباء الموجودة..  بين ضغوط "التكاليف والإمكانات"   الاتفاقية السورية- السعودية خطوة استراتيجية لإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني  "إدارة الموارد المائية في ظروف الجفاف بمحافظة اللاذقية" تحديث منظومة الضخ من نبع السن وتنفيذ محطات ... مرسوم  بتعيين إبراهيم عبد الملك علبي مندوباً دائماً لسوريا في الأمم المتحدة  نيويورك تايمز: جرائم نظام الأسد تغيّب مئات الأطفال في متاهة السجون ودور الأيتام الحالة الوطنية الجامعة وتعزيز مبدأ الانتماء والهوية أرقام مبشرة في حصاد ما أنجزته "الزراعة" منذ بداية 2025 تكريم الطالبة مها الدوس بدرعا لتفوقها في شهادة التعليم الأساسي "أوقاف درعا الشعبية" تدعم المستشفيات وجرحى أحداث السويداء تطوير منظومة النقل في حلب وتنظيم قطاع المركبات الزراعة بريف حلب بين التحديات والفرص ارتفاع كبير ومفاجئ للأسعار في أسواق طرطوس.. والرقابة غائبة! "شفاء 2".. يداً بيد لتخفيف معاناة المرضى .. 100 طبيب سوري مغترب لتقديم الرعاية الطبية والجراحية المج...