كلما قال الشعر أريد أن أغفو ناشدا الراحة من أصوات غريبة بدأت تقلق ساحتي, قال له أحدهم: وكيف تغفو؟ لمن ننظم الكلمات وننسج للوطن قبة بلون السماء وأرضا كربيع الأرض؟؟ لاتغفو.
كن معنا لأن بعضا منا يستنجد بك,و لأن روحا من وادي عبقر تنادي: لاتتركوا الشعر يغفو به يستيقظ الحلم وتمتنع الأماني من التكسر لكن هذا الصوت يشترط جمالا ونبلا وصدقا وكثيراً من الكلمات التي تعبر كالنسيم الى أفئدة القراء…
الشاعرة والاعلامية اللبنانية مي خليل مراد من أولئك اللواتي يجدن في الشعر سحرا ويجد فيهم الشعر مسرحا لأحلامهم، والشاعرة مي تعرفت عليها مصادفة دون موعد مسبق مع الشعر في احد مؤتمرات جامعة حماة ودون أدنى معرفة بها لكنك تنشد الى بعض الشخصيات دون سواها، ربما هي الاهتمامات أو ربما بعض الأشياء التي تكتشف فيما بعد أنها مشتركة، أو ربما لأنها تحب وطنا أنت تعيش فيه وتجل فيه القيم وتعشق منه الشام وحلب وحماة وحمص وكل تراب على الخارطة السورية؟ ربما هو كذلك, لنقرأ ماكتبته عن دمشق:
من لايعرف دمشق..
فليسأل عنها.. أبطالا مجدوا التاريخ
فليسأل عز الدين القسام
فليسأل أبطال المجد.. تحكي الحكايات
فليسأل الصنوبر والسنديان
والحور وشجر الغار.. وعرائش الياسمين
تحكي لهم كل الروايات.. عن مجد كلل بالماس
عن بيدر القمح.. وعرق الفلاح.. وخبز المقاوم
من كتب حكايته بالدماء فليسأل وردة الأقحوان
تروي له كل الحكايات…
حول الشاعرة
شاعرتنا مواليد النبطيه ودرست في ابتدائيتها ثم بدأت رحلة التنقل اثر الحرب والقصف حيث استقر بها المقام مرة في الدوير ثم في البقاع وتلك سنوات لاتنساها الشاعرة ولا أي انسان يعيش الحرب لكن احتفاظ الشاعر بتلك الذكريات الأليمة تختلف بطريقة الحفظ وطريقة التذكرعن الناس العاديين وعندما تقرأ انها كتبت الشعر في عمر التسع سنوات اثر حادثة تستغرب أن تستجمع طفلة تلك الجرأة لتكتب بعد أن نسيتها عائلتها في المنزل وهربت بعد سقوط قذيفة قريبة فاستعانت بالورقة والقلم لتحرر قلبا خائفا وتبعد عنه القلق فكتبت في ذلك الوقت بضع كلمات كانت مفتاح اللغة:
علق الحرب بلبنان
وشعلت النار بقلوب الناس
صرنا نسمع من بعيد وقريب
صوت القذائف والمدافع
ينزل علينا متل الشتا بشهر تشرين
هذه الطفلة التي وعت على صوت القذائف وتحول الخوف لديها الى جرأة وتفتح وعي فطري بأن النار اتقدت في قلوب الناس قبل اتقادها في الشجر والحجر عاشت الواقع بألم و أحست بظلم الآخرين ما عزز في داخلها منهج الدفاع عن الحق واستخدام الكلمة وسيلة للتعبير.. فكانت اعلامية ترفض الظلم وتدافع عن قضايا المظلومين، وتشغلها بشكل دائم أرض فلسطين والقدس الذي دنس من قبل الاحتلال.
عاشت الشاعرة واقعا أليما في ظل الظروف التي عاشها وطنها،لكنها لم تستسلم لذلك بل تابعت دراساتها حيث بدأت كتابة الشعر مبكرا بخبرات بسيطة لكنه الميل الأول لهذا الفن كما تفتحت موهبة التشكيل بالرسم والأعمال اليدوية حيث شاركت بثلاثة معارض للرسم في بعلبك وشاركت بمعارض للتصوير الفوتوغرافي التي كانت تقيمها جمعية ابداع في الاونيسكو والمراكز الثقافية والجامعات, ووجدت في هذا المجال المختلط بين الكلمة والصورة والتشكيل عالما مفتوحا من السمو نحو آفاق الانسانية الواسعة التي تبتعد عن آفات اجتماعية كثيرة،ونذكر أنها شاركت بكثير من الملتقيات والمهرجانات الأدبية والثقافية في كثير من الدول,كما كرمت باكثر من دولة وأكثر من مجال واستطاعت الحصول على شهادات متعددة شغلتها عن الشعر في ذلك الوقت،ونذكر منها دراسات في اللغة الانكليزية وفي فن الجرافيك والعلوم الهندسية والتجارية ولغات الكمبيوتر واجتيازها لبرنامج مستشاري العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وحقوق الانسان وبرنامج تحكيم في منازعات الاستثمار وصياغة العقود القانونية لتصبح مستشار تحكيم اعلامي, واكتسبت مهارات كثيرة اوصلتها لتكون في أكثر من موقع لكنها متفرغة الآن للكلمة الطيبة وللاحساس الجميل:
مالي أرى العشق في عينيك يلتهب
والدمع جمرا من الاحداق ينسكب
أليس في صمتنا ما زادنا ألما
أم لهفة توقظ الأشواق… نرتقب
الا تسابقنا الأعمار مسرعة
تمضي سويعاتها.. كالفار ننسحب
تعال ضمد جراحي من جوى بردا
أصابني هوس والشوق ينتحب
وسر سعادتها كما تقول: أن أرى العالم جميلاً افرح لفرح الناس وأواسيهم في أحزانهم.
هذا هو الحب الحقيقي سأحب كل من حولي دون أن أنتظر منهم مبادلة..لكنها عندما تمر في نوبات قلق تنسج رقة في الكلمات وتعابير مستوحاة من رومانسية عالية ونقتطف من هذه القصيدة:
نوبة صمت تؤرقني.. تطير بأجفاني
وفي ظلام الليل تسرح بي
تسلبني ظلي من وسمة الدهر
تلبسني ثوب الأمس.. نشوة
وتجهض نور الشمس من بسمة القمر
تأسر النجم من راحتي
وتسافر بي ريشة فوق محبرة الزمن
ترسم القبلة.. ارزة
وتطرب النهر عند اصيل المدى
تغزل العشق حبات.. من ماس الصبا
وهي وان استعانت بالرومانسية مدرسة فلها في الشعر لبلدي قصائد واختارت لذلك يوما عزيزا على قلوب أبنائه يستذكره في كل عام ويشعل في النفس نشيدا ينبعث من داخل كل سوري «حماة الديار عليكم سلام» تقول في يوم الجلاء وذلك بعد حضورها لأكثر من مرة معرض دمشق الدولي حيث نختار من القصيدة نهايتها:
لنا رجال اذا زفوا بنادقهم
فالعرش والموت في أصواتهم نغم
ياويحهم من زنود الشعب رافعة
راياتها وعليها قد أضاء دم
لايسلم الحق الا حين تحرسه
أيد اذا ارتفعت بالحق تعتصم
نقتبس من احدى قصائدها التي تظهر فيها الصورة الشعرية تزين مفردات القصيدة:
أنت أنشودتي..كأس خمر على شفتي
أتنشق عطرك ليلا كريحانة
وأسافر كالطير فوق السحاب
اعانق وجه الرياح بلا وطن
أرسم العشق شمسا تنير فؤادي
وأمضي هنا بين آهات عاشقة
للشاعرة ديوان مطبوع بعنوان بوح الحب وديوانان آخران تحت الطبع أحدهما بعنوان زهر اللوز والقصيدة بعنوان أنا الشام.
ختاما
مضى الوقت قصيرا جدا مع الشاعرة اللبنانية وتركت أثرا دفعني للتساؤل: لماذا كثرت المنابر وكثرت الدواوين الالكترونية وكثر الشعراء وتسارعت القصائد بالنشر وعملت المطابع بورق رديء لتغلف ديوانا حتى لو كان بورق أصفر.
تسابقت الاصابع ولملمت الحروف دون نضج فصار الشعر شيئا هجينا بهجونة فرانكشتاين وخفت الصوت، كان ذلك سؤالا برسم من يعتلي المنابرلاهداف كثيرة ناسيا أنه لابد أن يضع بصمة في هذا العالم المسحور بالكلمة والاحساس لكن في نفس الوقت لابد من تناسي هؤلاء والالتفات الى من لم يختف البوح عندهم مادام الشعر يحتفي بالوجد.
أيدا المولي
التاريخ: الأربعاء 22-5-2019
الرقم: 16983