إخفـــــاق الضغـــــوط الأميركيـــــة في إخضـــــاع إيــــــران

أعلنت الولايات المتحدة عن توقفها عن منح إعفاءات لاستيراد النفط الإيراني في الثاني من شهر أيار الفائت، ويمثل هذا القرار خطوة أخرى في الحرب الاقتصادية الأميركية ضد إيران، إذ تم الإعداد لممارسة أقصى الضغوط بغية إلحاق الأذى بالاقتصاد الإيراني، والضغط عليها للدخول في مفاوضات وفقاً للشروط والإملاءات الأميركية، الأمر الذي يمكّن إدارة ترامب من عقد اتفاق نووي جديد بدلاً من الاتفاق الذي تم التوصل إليه إبان عهد أوباما بمشاركة خمس قوى عالمية عام 2015.
شجبت إيران الإجراء الأميركي الأخير إذ أنه إجراء غير شرعي على غرار ما نهجته في العام الماضي إبان الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية التي تدعى خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ تنظر طهران للانسحاب باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2231.
لا ريب بأن بقاء إيران ملتزمة بالاتفاقية النووية على الرغم مما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية قد جاء تلبية لرغبة الدول الأوروبية ذات العلاقة بغية إعطائها فرصة لاتخاذ الإجراء المناسب لتعويض إيران عما خسرته إزاء إخلال الولايات المتحدة بالالتزامات التي قطعتها وفقاً للاتفاق، لكن قرابة العام انقضى دون أن تشهد إيران أي توجه ملموس للتعويض عما فقدته، الأمر الذي حدا بها إلى التوقف عن الالتزام بتنفيذ بعض بنود الاتفاق وبخاصة ما يتعلق منها بالقيود على مخزونات اليورانيوم منخفض التخصيب والماء الثقيل وذلك مدة شهرين مع الاستمرار بإعطاء الفرصة للمشاركين بخطة العمل الشاملة المشتركة – ولاسيما الدول الأوروبية- للالتزام ببنود الاتفاق والتعويض عما لحق بإيران من خسائر، ذلك لأنه من غير المسوغ أن تلتزم إيران بالاتفاقية دون غيرها من الأطراف الأخرى الموقعة.
يفتقر موقف الولايات المتحدة تجاه إيران إلى الوضوح في الرؤية أو الموضوعية، إذ توجهت إلى سياسات عدائية، بل وإلى هوس اسمه إيران. ولم يعد خافياً على أحد أن عدداً من كبار المسؤولين ما انفكوا يدفعون بالرئيس ترامب إلى تبني سياسات متشددة تجاه إيران، ودعوته للعمل على تغيير النظام القائم في هذا البلد، وفي سبيل تحقيق تلك المجموعات لأهدافها عمدت إلى تقديم معلومات كاذبة إلى ترامب لتقنعه بها وتثبت له بأن إيران مسؤولة عن كل ما يحدث في الشرق الأوسط من مشكلات، الأمر الذي يستدعي مواجهتها بمختلف الوسائل المتاحة ومنها الوسائل العسكرية.
لا شك بأن إرسال الأسطول البحري الأميركي إلى الخليج قد جاء استجابة لمعلومات استخباراتية مزيفة قدمت إلى ترامب، تلك المعلومات التي لم تلق قبولاً لدى الكثير من أعضاء الكونغرس أو من حلفاء أميركا، وعلى الرغم من أن إيران لا ترغب أبداً بشن حرب أو القيام بعمل عدائي ضد الولايات المتحدة أو سواها من دول العالم إلا أنها لن تتوانى عن الوقوف بحزم ضد أي عمل عدائي يشن ضدها.
وخلافاً لآراء بعض المقربين من ترامب، يبدو بأنه لا يرغب بخوض حرب مع إيران، إلا أن مواقفه تتناقض بين حين وآخر، فتارة نراه يهدد ويتوعد، وتارة يدعو إلى الحوار.
إن اقتراح الولايات المتحدة إجراء الحوار مع إيران تعترضه عقبات ثلاث: أولها، إن أي حوار لن يكون مثمراً إن اكتنفه التهديد والإكراه والعقوبات، ولا يمكن تحقيق النجاح للحوار إلا في الأحوال التي يحترم بها كل طرف الطرف الأخر، وأن يتعاملا على قدم المساواة.
أما الثاني، فإن إدارة ترامب لا تتحدث بصوت ورأي واحد في وضع أسس موحدة للحوار مع إيران، ويلاحظ بأن العديد من المقربين إلى الرئيس الأميركي يعملون جاهدين على إذكاء الصراع بين البلدين بهدف إجهاض أي إمكانية لإجراء حوار جاد ومفيد.
وأخيراً، فإن ما أقدم عليه ترامب من انسحاب من الاتفاق النووي قد أثار حفيظة الكثير من دول العالم، وأثار المخاوف والهواجس لجهة أي اتفاق مع الولايات المتحدة، إذ يمكن لها التخلي عنه في أي وقت تشاء ويكون مصيره ذات المصير الذي أصاب الاتفاق النووي مع إيران، وتبين بأنه ليس ثمة ضمان يمكن الركون إليه في أي اتفاق يعقد مع الولايات المتحدة.
منذ بضعة أيام ادعى ترامب بأن الولايات المتحدة لا تسعى إلى إلحاق الأذى بإيران وأنه يشعر بالأسى والحزن لما لحق بالاقتصاد الإيراني من ضرر، وذلك يعطي الدليل القاطع على أن جريمة قد تم ارتكابها بحق إيران، وأن الولايات المتحدة عازمة على الاستمرار بإلحاق الأذى بالشعب الإيراني دون أن تأبه إلى أن تصرفها هذا يعتبر جريمة وفقاً لمنطوق القانون الدولي، وإنه من السذاجة بمكان أن تثق أي دولة بعرض الولايات المتحدة للقيام بحوار معها.
لقد أثبت الواقع فشل الولايات المتحدة المتمثل بممارسة (الضغوط القصوى) على إيران، إذ لم يتم القبول بأي طلب من مطالب ترامب المجحفة بحق إيران، ويمكن القول إن سياسته في ممارسة الضغوط لم تفضِ إلى عزلة الولايات المتحدة على الساحة الدولية فحسب بل ستفضي إلى الانقسام بين أميركا وحلفائها، فضلاً عن الاستياء الذي بدا من الشعب الإيراني نتيجة تصرفات الولايات المتحدة، ولا شك بأن العقوبات قد أضرت وألحقت الأذى بالشعب الإيراني إلا أن إيران بقيت ثابتة ولن تثنيها العقوبات عن تنفيذ سياساتها التي اعتمدتها.
لقد دأب الإيرانيون على مر التاريخ على مقاومة فرض رغبات الآخرين عليهم، فلغة التهديد والترهيب مرفوضة بالنسبة لهم، وقد بينوا للعالم أجمع بأن الاحترام يولد الاحترام.
Washington Post

 

ترجمة ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 4-6-2019
الرقم: 16993

 

 

 

آخر الأخبار
وفد  "كوفيكس" الصينية يبحث سبل التعاون مع غرفة تجارة وصناعة درعا استراتيجيات القطاعات الاقتصادية في عهدة هيئة التخطيط والإحصاء  خبير قانوني : الاعتداءات الإسرائيلية خرق للقانون الدولي المهارة تنمي شخصية الأطفال وترتقي بهم  في تطورات تعرفة الكهرباء.. مقترحات لجمعية حماية المستهلك تراعي القدرة الشرائية ما أسباب التحول الخطير في النظام النووي الدولي؟ اعتراف سوريا بـ كوسوفو... بين الرد الصربي وحق تقرير المصير الشتاء أفضل من أي وقت آخر لمعالجة الأشجار المثمرة الشيباني: الشرع يزور واشنطن وسوريا ماضية بخطا واثقة نحو ترسيخ الاستقرار تلميحات أميركية لاتفاق نووي سلمي سعودي-أميركي بلاغات الاختطاف في سوريا.. الواقع يدحض الشائعات "الداخلية" تستعرض ما توصلت إليه لجنة التحقيق عن حالات خطف في الساحل "الزراعة" تزرع الأمل.. مشروع الغراس المثمرة يدعم التنمية الريفية "دير الزور 2040" خطة طموحة لتنمية المحافظة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية الشيباني يبحث مع نظيره البحريني تعزيز العلاقات وآفاق التعاون المتسول من الحاجة إلى الإنتاج جلسة خاصة حول إعادة إعمار سوريا ضمن أعمال "الكومسيك" في إسطنبول  الدواء والمستشفيات محور شراكة سورية ليبية مرتقبة التحولات الإيجابية في سوريا تقلق الاحتلال وتدفعه للتوغل في أراضيها الأسباب والتحديات وراء الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا