بين فكي المثاقفة والتثاقف وقعت العديد من الشعوب، مع أن المثاقفة سليلة الثقافة، والتثاقف هو الفاعلية الساعية إلى تجسيد تلك الثقافة وكليهما لمصدر واحد هو الثقافة، إلا أن الاحتكاك الثقافي بين الغرب والشرق أعطى المعنى الحقيقي لكلا المصطلحين وبرؤى ونماذج يمكن إسقاطها على الواقع ولا تجد مجالاً للشك في مدى صدقها وواقعيتها…
فقد أظهرت العديد من العلاقات الثقافية بين المجتمعات الإنسانية رأياً ووجهة وأحادية في كل المنابر الثقافية، بمعنى تقديم المثاقفة بقالب واحد وعلى بقية المجتمعات الرضوخ لها، وهذا ما نجده في المحتوى الثقافي الأوروبي الغربي الموروث عن الحضارة الرومانية، فأصبح الغرب رهينة ثقافة إمبراطورية تبرر للشرّ بمسوغات لا تستند إلى أي دليل إلا روح القوة..
هي ذات الثقافة التي أفرزت هتلر، وكلنا يعلم ما فعل هتلر وكم عانى المهاجرون عرباً ومسلمين في زمنه..
باعتقادي مفهوم تلك الثقافة لم ينحرف عن مساره إلى يومنا هذا، فلا سلام للشعوب إلا حيث يكون السلاح الأقوى، بمعنى أن التثاقف تحكمه القوة الخرساء التي تتكلم لغة العضلات ولا تستجيب لأي قانون.. فكيف يكون التثاقف طريقاً وأملاً…؟؟! وعندما نجد الاستقلال الحضاري لشعب من الشعوب مع رغبة شديدة للتعرف على حضارات الشعوب الأخرى والإفادة منها مع الإبقاء على تمايز حضارته، يقدّم التثاقف هنا حضوراً ووعياً ويعطي فعالية ونتيجة تحفظ استمراره عبر تواصلات حذرة واعية…
وبالنظر إلى المحتوى الثقافي للشرق نجد أن الحضارات التي نهل منها هي الآرامية والآشورية والسومرية والآكادية والفرعونية، وكلها حضارات قدمت للبشرية الأبجدية والعلوم والفكر والفلسفة والآداب والفنون والعمران والتجارة والصناعة، تلك كانت البدايات من الشرق..
لكن لايمكنني أن أكتم بأن النهاية ليست بصفاء وصدق تلك البدايات، لأن ثقافة الإمبراطورية المهيمنة بروح الاستعلاء تضع العالم ضمن دائرة أخطر أزمة يمكن أن نجدها على سطح الأرض، يسير فيها الزمان والتاريخ إلى ما لا يتصوره العقل وتضع ملايين علامات الاستفهام على مصير الإنسانية التي وقعت بين فكي التثاقف والمثاقفة للشعوب.
هناء دويري
التاريخ: الجمعة 7-6-2019
الرقم: 16996