مـن أجـل ثقافـــــة المحبـــة

لهذا المصطلح تعاريف عدة، منها التعريف الأشهر لأول من لجأ إلى سلوك «اللاعنف» كثقافة، ووطَّن ووطَّد لها في العصر الحديث، وهو «غاندي» الزعيم الهندي الشهير، حيث لجأ إليه في مقارعة الاحتلال البريطاني للهند، بقوله في تعريفه: «إنه سلوك وثقافة لا تنطوي على حب من يحبوننا فقط، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أن اللاعنف يبدأ من اللحظة التي نشرع فيها بحب من يكرهوننا، فحب أعدائنا يفتح أمامنا آفاقاً واسعة نستطيع من خلالها تخطي كل الصعاب، التي تقف أمامنا..».
إذاً هو نمط وأسلوب وثقافة، يستطيع مواجهة اللامبالاة والسلبيّة، والخضوع الأعمى والضغط العنيف، كما الكفاح المستمرّ، لخوض القضايا، التي تهمّ المجتمع، من دون عنف.
هذا لا يعني التهرّب من المسؤوليّة، أو تجنّب الصراع وتجاهله، بل استعمال الوسائل والقدرات السلميّة لتحقيق الأهداف، التي تصبّ في خانة تثبيت الحقوق، وبسط العدالة الاجتماعيّة، ممّا يؤدّي إلى سلام مُستدام.
إنَّ عالمنا يتخبّط بشتّى أنواع العنف: اللفظيّ، الجسديّ، النفسيّ، الجنسيّ؛ ويمارس على جميع أفراد المجتمع، لا سيّما على النساء والأولاد.
يطال العنف أغلب أفراد المجتمع: في الأسرة، في العمل، في الجامعات والمدارس، في الدوائر الحكوميّة وسائر المنظمات والمؤسّسات، وخلال المظاهرات والاحتجاجات والألعاب الرياضيّة (كرة القدم)، وبالتأكيد في الحروب.
يأخذ هذا العنف، أشكالاً متعدّدة ومتنوّعة، ولكنّه يبقى عنفًا ضدّ الإنسانيّة بأجمعها، وضدّ فكرة الخلق، ومشروع الخالق، ألا يمارس العنف.
لقد أصبح التعصّب والكراهية والإرهاب، من سمات هذا العصر، وهذا ما يعرّض حقوق الإنسان وكرامته، للانتهاك بشكل واسع ومستمرّ. فالقوانين الدوليّة والمعاهدات والاتّفاقات، معرّضة للتفكّك وللزوال، لأنّ عناصر الأنانيّة والغضب والشرّ، تفتك بالمفاهيم والتربية والأخلاق، حتّى إنّ كوكب الأرض، يعاني من أشكال العنف والتعديّ، كما مخلوقات الله، أي الإنسان والحيوان والنبات، والطبيعة عينها والسؤال الملح: هل يمكن للإنسان أن يحصل على حقوقه من دون ممارسة العنف؟ أم عليه الاستسلام والخنوع؟ أم أنّه يفضّل اختيار العنف؟ يعيش بعض الناس في حيرةٍ، وأمام خيارات متعدّدة. هل يعطي خيار اللاعنف النتائج المرجوّة لقضايا المجتمع؟ أم عليه القيام بالخيارات الشاذّة والمؤذية؟ إنّ مفهوم اللاعنف، يعتمد على السلام الداخليّ والقدرة الذاتيّة، المبنيّة على الحياة الأخلاقيّة، والإنسانيّة والروحيّة.
فاللاعنف هو انتصار على الذات، وعلى الغضب والشرّ، إنّه سلاح يحتاج إلى الإرادة الصلبة، والنبل والشهامة. لقد أثبتت الوقائع أنّ العنف يجلب عنفاً، ومن هنا يُدرك الإنسان، أنّ العنف ليس العلاج الناجع لعالم مفتّت، بل إنّ الحوار والاحترام والاعتراف بالآخر، عوامل ووسائل لتحقيق الرحمة والمغفرة، من أجل البحث عن خير الآخر.
يُطلب اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، إعادة تثبيت مفهوم الأخوّة، وعيشها، من أجل حياة سليمة، ترفض منطق الخوف والعنف، والانغلاق على الذات، كما ترفض فكرة الإلغاء، وروح الإقصاء، والتهميش والعزل يبقى أسلوب اللاعنف، أقوى من العنف، لأنّ ذلك يؤدّي إلى السلام، الذي يرتكز على الحقيقة والعدالة، والحريّة والمحبّة وحتّى على المساواة بين الناس، بالرغم من الاختلاف.
نعم، يحتاج عالمنا، إلى تفعيل ثقافة اللاعنف وترسيخها، لكي تغدو أسلوبًا، يميّز علاقات الناس، وخياراتهم وقراراتهم، وبالتالي يعزّز نبذ الصراعات والنزاعات، والاضطرابات والحروب بين الشعوب. إنّ روح الأخوّة، تساعد على إزالة الأسباب، التي تؤدّي إلى العنف والنزاع.
إنّها تتغلّب على الأنانيّة والحسد، والابتعاد عن روح التسلّط، والحقد والانتقام. إنّ الإنسان المملوء سلامًا داخليًّا، وهدوءًا، يستطيع أن يفيض بالسّلام الداخليّ والهدوء على الآخرين, لذا، علينا أن نربّي على اللاعنف، من أجل عالمٍ ومجتمعٍ، تسودهما المحبّة والرحمة والعدالة نعم لإعادة وتعزيز وإظهار ثقافة اللاعنف، في مجتمعٍ أضاعَ القيم، وابتعد عن المبادئ، إذ أنّ خلاص الإنسان، لا يتحقّق إلاّ بالسلام المبنيّ على الغفران والمسامحة، والعدالة الاجتماعيّة.
– «من السهل أن نرد على العنف بعنف، من السهل أن نخاصم من أساء إلينا، وأن نشتمه، من السهل أن نبني جدار فصل بيننا وبين عدونا، لا يحتاج هذا البناء لأي عبقرية!، لكن هل فكرت بصعوبة بناء جسر بين ضفتي نهر؟! إنها هندسة ضد الجاذبية وتحتاج لإبداع، وهذا الإبداع هو ما نسميه: العمل اللاعنفي.
ثقافة اللاعنف ليست خنوعاً ولا استسلاماً ولا قبولاً عاجزاً للذل، ولا هدراً للكرامة، ثقافة اللاعنف تحتاج لبشر صابرين وشجعاناً يجذبون الأقل شجاعة إليهم».
ليندا إبراهيم

 

التاريخ: الجمعة 14-6-2019
رقم العدد : 17000

آخر الأخبار
بانة العابد تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال 2025   لبنانيون يشاركون في حملة " فجر القصير"  بحمص  ابتكارات طلابية تحاكي سوق العمل في معرض تقاني دمشق  الخارجية تدين زيارة نتنياهو للجنوب السوري وتعتبرها انتهاكاً للسيادة  مندوب سوريا من مجلس الأمن: إسرائيل تؤجج الأوضاع وتضرب السلم الأهلي  الرئيس الشرع يضع تحديات القطاع المصرفي على الطاولة نوح يلماز يتولى منصب سفير تركيا في دمشق لأول مرة منذ 13 عاماً  الجيش السوري.. تحديات التأسيس ومآلات الاندماج في المشهد العسكري بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية الأولمبي بعد معسكر الأردن يتطلع لآسيا بثقة جنوب سوريا.. هل تتحول الدوريات الروسية إلى ضمانة أمنية؟ "ميتا" ساحة معركة رقمية استغلها "داعش" في حملة ممنهجة ضد سوريا 600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز