بهذه العبارة ينتهي فيلم (عزاء، Solace)، ليضعنا أمام مفارقة مصيرية.. طارحاً إشكالية الموت الرحيم عبر اختلاطه/خلطه بين أعلى درجات الحب.. وبين أقسى لحظات التنفيذ في الخطو نحو إنهاء حياة من نحب.
هل يعني إنهاء حياة إنسان، تحقيق آخر أشكال الرحمة تجاهه..؟
وهل يكون الموت رقيقاً ورحيماً فقط في حالات الألم والوجع الجسدي..؟
ماذا عن ذاك الوجع الروحي.. المعنوي.. غير الموصوف جسدياً..؟
كيف يمكن التعامل معه.. وهل يمكن اعتبار إنهاء البعض لحيواتهم انتحاراً من قبيل الموت الرحيم حتى لو لم يعانوا من علّة جسدية..؟
تنخطف حواسك لنوع من المقارنة بين شكلين من الموت، بين ما يطلقون عليه رحيماً وآخر ينفذّه المرء إنهاءً لما يعتقده مأساة ماثلة في صميم دواخله.. غير مرئية بصرياً.. لكنها قد تهدم أركان جسده وروحه بتصاديات لا يشعر بها سواه برصاصة الرحمة.
هل كان قيام شخصية مغنية الكاونتري (كيلي، كوينث بالترو) في فيلم (ريفية قوية، Country strong) بالانتحار نوعاً من قتل رحيم.. لطالما اشتمل على إنهاء لمأساتها مع ذاتها.. ولوجعها الداخلي الذي لا يشعر أحدٌ به غيرها.
في فيلم (عزاء، Solace) تُقدّم لنا الأحدث في إطار بوليسي تشويقي.. فثمة قاتل يتصيّد ضحاياه عن طريق التسلسل.. ونتفاجأ في الثلث الأخير من الفيلم أننا أمام من يقوم بإراحة قتلاه من وجع مستقبلي سيتسبب به مرضٌ يصيبهم.. ولا أحد يدرك هذا المرض غيره.
وكل غاية هذا القاتل صاحب الرؤية المستقبلية، أدّى الدور كولين فاريل، دفع الطبيب النفسي المتعاون مع مكتب التحقيقات (جون، أنطوني هوبكينز) لقتله.. فهو الآخر مصاب بمرضٍ سيسبب له وجعاً لا يُحتمل.
وعلى ما يبدو أن القاتل على دراية بكون الطبيب هو نفسه أقدّم على إنهاء حياة ابنته التي عانت من مرضٍ عضال.. وفي هذه الجزئية تحديداً تمثل أمامنا مقولة الفيلم: «أحياناً تكون أعظم أعمال الحب، الأصعب من حيث التنفيذ».
يعيد عمل (عزاء، Solace) للذاكرة فيلم (طفلة المليون دولار، Million Dollar Baby) إخراج كلينت إيستوود، والذي شارك هيلاري سوانك البطولة.. لا سيما في اللقطة التي يقوم بها بإنهاء حياتها تنفيذاً لرغبتها.
بالمقابل يتشابه فيلم (ريفية قوية،Country strong) وفيلم آخر تم إنتاج نسخة حديثة عنه هو (ولادة نجمة،A star is born) في تفصيل انتحار مغني الكاونتري «جاكسون» الذي أدّى شخصيته برادلي كوبر، فكلا الشخصيتين تنهي خيباتها لاسيما الفنية عن طريق «الانتحار»..
إنه انهيار من نوع غير مرئي.. ليس مرضاً جسدياً.. ولا وجعاً عضوياً.. ما تم التخلّص منه في حالة كل من (كيلي، جاكسون).. ولربما كان أكثر صعوبةً وخطورة..
هل كانا يطبقان نوعاً من موت رحيم..؟!
ويجسّدان مقولة كيلي في آخر أغنية أدّتها على المسرح: «حاول العالم كسري لكني وجدت طريقي أخيراً إلى البيت»..؟
كلها حالات موت.. لكن من يقرر أيها الأصعب والأكثر إيلاماً.. الوجع الجسدي أم نظيره الروحي..؟!
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الجمعة 14-6-2019
رقم العدد : 17000