على إيقاع هدير البوارج الحربية وحاملات الطائرات التي تمخر عباب مياه الخليج استضافت مملكة البحرين ورشة في إطار ما بات يعرف بـ (صفقة القرن) لإنهاء الصراع العربي الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية العربية.
الصورة الوردية التي حاول جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الترويج لها بتخيلاته عن الواقع الجديد والمشاريع الكثيرة في المنطقة لم تخف المرامي الخطيرة لهذا التحول في الموقف الأميركي من تحقيق السلام في المنطقة.
عقد مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338، ومبدأ الانسحاب مقابل السلام، وجرت المفاوضات الماراثونية منذ ذلك التاريخ حتى عهد الإدارة الأميركية السابقة على هذه الأسس.
حاولت إسرائيل نسف مبدأ (الأرض مقابل السلام) مرات عديدة وجاءت مبادرة السلام العربية لتؤكد هذه الأسس وعندما تأتي صفقة القرن وأدوات تحقيقها ومنها ورشة البحرين للتركيز على الاتفاق على مسار اقتصادي كشرط ضروري للسلام يكون الهدف هو نسف هذا المبدأ في أي مفاوضات قادمة.
هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل الاندماج التطبيعي في المنطقة وروَّج لذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيرس بطريقة خبيثة بطرح فكرة (السلام الاقتصادي) وروَّج لها في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) عبر تقديم كيان الاحتلال الإسرائيلي كشريك اقتصادي لدول المنطقة وجزء من العلاقات والتكتلات الاقتصادية فيها.
ما يقدمه كوشنير اليوم من أحلام اقتصادية وردية للشعب الفلسطيني هو نسخة مكررة مع بعض التجميل عن محاولات سابقة لم ترى النور لرفضها من قبل الشعب الفلسطيني والدول العربية والفارق الوحيد أنها تنطلق من أرض عربية وتأتي في سياق جهد أميركي محموم لتحويل وجهة العدو بالنسبة للعرب من إسرائيل التي تحتل الأراضي العربية وتهدد الأمن القومي العربي إلى إيران التي تدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
لم يتمكن صهر الرئيس الأميركي من إخفاء التلويح بسياسة (الجزرة والعصا) رغم إضفاء الطابع الوردي على طرحه بتحويل غزة إلى مدينة أحلام حيث ربط الحل السياسي بقوله إن (الاتفاق على مسار اقتصادي شرط ضروري للسلام) الأمر الذي يؤكد السعي الأميركي لنسف مبادئ السلام بالترويج لإدماج العدو الإسرائيلي في اقتصاد المنطقة كبديل إجباري لتحقيق للسلام في المنطقة.
إن ما طرحه كوشنير في ورشة البحرين ليس (فرصة القرن) كما زعم ولن يجلب الازدهار للشعب الفلسطيني ولن يضاعف إنتاجه القومي فهو آخر ما تفكر فيه الولايات المتحدة وإنما هدفه الجوهري فصل غزة عن الضفة الغربية وتهويد مدينة القدس ونزع صفة العدو بالنسبة للعرب عن كيان الاحتلال الإسرائيلي.
تحاول بعض الأنظمة السياسية العربية السائرة في المشروع الأميركي-الصهيوني مع إسرائيل ودمجها في المنطقة إلى الترويج لصفقة القرن على أنها الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام في المنطقة وأنه من غير الفائدة مناهضتها ورفضها ودورها لا يتعدى هذا الجانب وواقع الحال يقول إن رفض الشعب الفلسطيني لهذه الصفقة ولمقايضة حقوقه وأرضه بلقمة عيشه كاف لإفشالها كما تم إفشال الكثير من سابقاتها.
كما يقال الكتاب واضح من عنوانه فما يعرض على العرب والفلسطينيين في صفقة القرن أوهام وأحلام لا أفق لتحقيق الحد اليسير منها مقابل التنازل عن الحقوق ومبدأ الأرض مقابل السلام وعلى الدول العربية الراكبة لموجة الصفقة أن تسمع لصوت الشعب الفلسطيني لا أن تردد ما يقوله كوشنير ونتنياهو كي لا يصابوا بالخذلان من الطرفين فلا الصفقة ستتحقق ولا الشعب الفلسطيني سيقبل بالتنازل عن حقوقه وأرضه.
أحمد ضوا
التاريخ: الأحد 30-6-2019
الرقم: 17012