ملحق ثقافي..رشا سلوم :
من منا لا يذكر روايته رجال في الشمس، والجملة الشهيرة التي تنتهي بها: لماذا لم تدقوا جدار الخزان. رجال قضوا ومضوا، وكانت الطريق إلى نفط الخليج وهماً وسراباً، وهي اليوم كذلك، هل كان يتنبأ بذلك، هل كان يقرأ القادم، لو لم يكن كذلك هل كان الاغتيال وجد طريقه إليه، الحبر والدم واحد، كلاهما من نبوءة الغد وللغد، تمر هذه الأيام ذكرى اغتيال غسان كنفاني. قد لا نقدم جديداً، لكننا لن نترك الذكرى تعبر، وقد تعمدت بالدم، وها هو الشعب الفلسطيني يعيد قراءة أسفار العودة التي بشر بها كنفاني وغيره من كتاب الأرض المحتلة.
غسان كنفاني روائي وقاص فلسطيني، استحوذت كتاباته على من قرأها، فهو الذي يناضل على الورق. تُرجمت أعمال كنفاني إلى 17 لغة، وانتشرت في 20 دولة.
بدايات
وُلد غسان كنفاني في عكا، شمال فلسطين في 9 نيسان/ أبريل عام 1936، وعاش هو وعائلته في يافا حتى عام 1948، حيث أُجبر وعائلته على النزوح.
عرف ابن الثانية عشرة معنى اللجوء، فاتجهت العائلة أولاً إلى لبنان ثم إلى سورية. وهناك نال شهادة الثانوية من مدارس دمشق عام 1952، ودخل قسم اللغة العربية في جامعتها، لكنه استمر لعامين فقط.
والد غسان كنفاني، الحقوقي، الذي عمل أحياناً في تصحيح مقالات بعض الصحف، وأحياناً تحريرها، كان له كبير الأثر عليه.
انضم كنفاني إلى حركة القوميين العرب عام 1953 تحت تأثير جورج حبش. وسافر للتدريس في الكويت عام 1955، وهناك كان إقباله على القراءة منقطع النظير. وعمل محرراً في إحدى صحفها، مذيلاً مقالاته باسم «أبو العز»، وقد لفتت الأنظار كثيراً. وفي الكويت أيضاً كتب أول قصصه القصيرة «القميص المسروق» وعنها نال الجائزة الأولى في إحدى المسابقات الأدبية.
رحلة عمل
انتقل كنفاني إلى بيروت عام 1960، فقد وجد فيها مجالاً أدبياً رحباً. وبدأ العمل في مجلة «الحرية»، كما كان يكتب مقالاً أسبوعياً لجريدة المحرر البيروتية، ولفتت مقالاته النظر إليه لعمقها، وأشاعت الحماس تجاه القضية الفلسطينية، كما أصبح كنفاني مرجعاً لكل المهتمين والمناصرين لهذه القضية.
كتابات كنفاني كانت من الناس وإليهم، فغاص في أعماق الإنسان الفلسطيني بعد النكبة والنكسة وما قبلهما، كما تنبأ بالقادم، وأخرجه بإبداع ريشة الفنان ومهارة الكاتب. ففي روايته «عائد إلى حيفا» عام 1970، استذكر ما رواه مواطنو حيفا عن رحلتهم نحو عكا. وكان لا بد من أن تترك رحلته الخاصة نحو بلد اللجوء تأثيرها على غسان، فقد حضرت ذكرياته تلك في روايته «أرض البرتقال الحزين» عام 1963.
كان كنفاني كتلةً من النشاط، فقد فاقت ساعات عمله العشر ساعات يومياً على الأقل. وقد ظهرت بوادر مرض السكري والنقرس في عمرٍ مبكرٍ عليه. كان ذلك يُدخله المشفى أياماً، لكن حتى من على سرير المرض، تأمل عقله كل ما حوله، وأبى إلا أن يخرج منه بتجربة، فكتب رواية «موت سرير رقم 12» عام 1963.
شعر كنفاني بضياع الفلسطينين قبل غيره بكثير، وبتحول قضيتهم إلى قضية حياةٍ يومية أصبح الفلسطينيون يعيشونها تحت سطح لقمة العيش عوضاً عن العمق الذي أودى بهم نحو هذا السطح، فأطر ذلك القضية الأساسية.
عاد كنفاني إلى دمشق قادماً من الكويت في شاحنةٍ قديمة، وكان للصحراء التي عبرها تأثيرها الكبير عليه، وهو واحد من بين شعب بأكمله كُتب عليه سِفر الضياع هذا، عكس ذلك في روايته «رجال في الشمس» عام 1963. الرواية التي أصبحت فيلماً سينمائياً حمل عنوان «المخدوعون».
عرف غسان أن لا مناص من الكفاح، وأن لا برّ للفلسطينين سوى سواعدهم. فألحق رواية «رجال في الشمس» برواية «ما تبقى لكم». ونرى فكر كنفاني واضحاً صريحاً ناضجاً بالفكرة في روايته «عالم ليس لنا» عام 1965.
وللأم الفلسطينية مكانةٌ عند كنفاني فهي «التي تقف الآن تحت سقف البؤس الواطئ في الصف العالي من المعركة» كما جاء في روايته «أم سعد» عام 1969.
ومن روايات كنفاني الأخرى «الشيء الآخر» التي صدرت في بيروت بعد استشهاده، و»القنديل الصغير».
وللمسرح حضورٌ قوي في أدب كنفاني، ومن أهم مسرحياته «الباب» و»القبعة والنبي» و»جسر إلى الأبد».
كتب كنفاني العديد من البحوث الأدبية، معظمها على ارتباطٍ وثيق بالقضية الفلسطينية، فهو أول من كتب عن شعراء فلسطين، وصدرت كتاباته في كتاب له حمل عنوان «شعراء الأرض المحتلة»، كما أنه أول من كتب عن الأدب الصهيوني عن كثب. وله مقالاتٌ كثيرة سواء باسمه الحقيقي أو تحت أسماء مستعارة منشورة في العديد من الصحف والمجلات.
لكنفاني روايات لم تكتمل منها «الأعمى» و»الأطرش» و»العاشق» و»برقوق نيسان».
جوائز
نال كنفاني جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان، عن روايته «ما تبقى لكم» وذلك عام 1966. أما ما تبقى من جوائز، فقد مُنحت لاسمه بعد استشهاده، وأهمها جائزة منظمة الصحافة العالمية عام 1974، وجائزة اللوتس عام 1975. كما مُنح وسام القدس عام 1990.
انتقلت روايته «عائد إلى حيفا» إلى الشاشة الصغيرة عبر مسلسل سوري أخرجه باسل الخطيب.
أشهر أقواله
أُوفد كنفاني إلى يوغسلافيا لحضور مؤتمر طلابي، ومن بين المشاركين كان هنالك وفد دانماركي ضم معلمةً تأثرت بالقضية وسافرت إلى البلاد العربية. وفي بيروت طُلب منها مقابلة كنفاني، وبعد عشرة أيام على لقائهما، طلب الزواج منها، وتم له ذلك بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1961. أنجبا طفلين هما فائز وليلى. كان كنفاني رجل عائلة، رغم كثرة أعماله. ورغم كونه متزوجاً، وقع كنفاني في حب الكاتبة والأديبة السورية غادة السمان، وكتب لها وكتبت له رسائل سطرت آيات في سفر العاشقين. وقد التقاها في عدة مناسبات أدبية في عددٍ من الدول العربية.
استشهاده
استشهد كنفاني يوم 8 تموز/ يوليو عام 1972، بانفجار سيارة فخخها عملاء إسرائيلون في بيروت، لبنان. وكانت بصحبته ابنة أخته لميس.
ورغم حياته القصيرة، إلا أصدر أكثر من 18 كتاباً، وعدداً لا يحصى من المقالات. إضافة إلى إرثٍ غير مكتمل.
حقائق
عاشقٌ للفن، فقد زين منزله المتواضع في بيروت بأعمال فنية من إنتاجه، كما صمم ملصقات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
كان ملفتاً للنظر بين أخوته بهدوئه، لكنه كان الأكثر تأثراً بمشاكل الأسرة.
سبقه والده إلى الكتابة، فقد اعتاد تدوين مذكراته يوماً بيوم، وكان يحرر للصحف والمجلات.
التحق غسان بمدرسة الفرير في يافا، وكان يدرس اللغة الفرنسية.
حياته المادية كانت متواضعة جداً، بل اضطر للاستدانة من أصدقائه كثيراً.
التاريخ: 2-7 -2019
رقم العدد : 17014