يأخذنا فنه إلى عالم مختلف، فالمتأمل لأعماله لابد أن يرى مدى كثافة الأفكار المسجلة بتقنية خاصة يرمز إليها بالألوان أو مواد أخرى يجدها مناسبة للتعبير عن أفكاره وردود أفعاله تجاه المحيط الذي يعيشه، ومن ثم يضع كل ذلك ضمن ساحات تساهم في ترتيب اللوحة من الناحية الجمالية.
وحسب د. غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية أن الفنان عبد الله عبيد يقدم لنا بصريا أعمالا تنم عن إحساس مرهف وثقافة واعية.
استطاعت زوجته هدى عمار أن تجمع ماتبقى من لوحات زوجها الراحل وبمساعدة الأصدقاء وإدارة المركز الوطني أن تقيم معرضا إحياء لذكراه وتكريما لمسيرته الحافلة بالعطاء، فلطالما أغنى الحركة التشكيلية بفنه وفكره، وخصوصا أن الحرب على سورية التهمت أعماله ومرسمه كما أتت بالدمار والخراب على الكثير من معالم البلاد، وهذا ماترك في نفسه حسرة وألما كبيرا، فكانت لوحاته الأخيرة تصور بشاعة الحرب، وماتركته في نفسه من جروح سكنت القلب والروح، لتكون زاده إلى العالم الآخر.
فكيف تصف زوجته هدى عمار الفنان عبيد خلال مسيرة حياتية تجاوزت 42 عاما؟ تقول:
لم يكن زوجا عاديا، بل كان رفيق درب وصديقا حميما وقبل كل ذلك كان إنسانا حرا، خلق ليكون فنانا، فالمكان الذي يوجد فيه لابد أن يكون جميلا، حتى أنه لايرى القبح في أي مكان، وكان محبا لأصدقائه وظهر ذلك في وفاته، فقد ساد الحزن العميق على فراقه، كان رجلا صادقا مع الناس جميعهم ويمنح الطاقة الإيجابية لمن حوله، وقد ترك رحيله فراغا كبيرا، لأنه تمتع بالصراحة والجرأة في رأيه، يقول الحقيقة مهما كان الثمن، واستطاع أن يؤسس بيتا دافئا بزواياه وجنباته وعلاقته أيضا مع أولاده من خلال تربيتهم على أسس الحب والثقافة والإنسانية.
وتضيف: إنه سوري بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى، رجل محب لوطنه سورية، وكان يؤرقه جدا ماكان يحدث في سورية من تدمير وتخريب خلال سنوات الأزمة، وكان يدعو أن نكون أخلاقيين في علاقاتنا وبرأينا تجاه الحرب وأن نحزن على كل سوري وعلى دمار بلدنا.
وتمنت بدورها أن تحظى أعمال الفنانين بالاهتمام وأنه من الضرورة بمكان الحفاظ على الإرث من الإنتاج الإبداعي، ووضعه في المكان الذي يليق به، لتكون متاحة للجمهور المتابع، فهذا يعد تكريما لمسيرة الفنان وعطائه.
وبين الناقد بديع صنيج أن اللوحة بالنسبة للفنان عبيد هي ذات أكثر منها موضوعا، لذا لايمكن فصلها عن مبدعها، فهي تجسيد لأفكاره عن الكون الذي يعيش فيه، مهما امتدت حدوده بين جوانياته المتقدة بالنار وأحمره، وبين اتساع الرؤية تجاه الوجود على اختلاف تدرجاته اللونية في النفس، فاللوحة دائما مشغولة ليس بماتراه عين الفنان، بل بما يفكر به أيضا.
وترى الفنانة أسماء عودة أن ألوان الفنان عبدالله عبيد تتموج بين الوحشي والمتمزق وأحباره تذكر بالأسى والاحتجاج نتيجة المعاناة المستمرة والطموح والأحلام التي عاشها، لذلك فالمتلقي يتعامل مع لوحاته على أنها الشكل المفهوم، لأنه بالموروث هي مسألة تزيينية تنقل حدثا في الطبيعة أو توثيقا لأشخاص لهم دلالتهم الخاصة.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 4-7-2019
رقم العدد : 17016