قمر كيلاني أديبة سورية بامتياز قدمت العشرات من الكتب المهمة لتصبح من العلامات الفارقة في الأدب والصحافة، هي بنت دمشق أقدم عاصمة في التاريخ, وخير من كتب لمدينة الياسمين التي فاضت على الدنيا بالنور والإنسانية والإبداع.
ثمار ابداعها لم يذبل أو يغادر، بل يزداد في كل عام جمالاً ورونقاً، رسالتها الحضارية مستمرة رغم رحيلها عنّا، فهي لم تؤمن يوماً الا بالأدب الإنساني والأخلاقي عنواناً لمسيرتها الحافلة بالعطاء.
أحبت الوطن بشغف كبير، وبقلب لا يعرف إلى البحث عن الحقيقة… قبل أسابيع من وفاتها كتبت الراحلة في زاويتها الأسبوعية في صحيفة الثورة «عندما يفترس المرض أحداً آمناً أو يحاول ذلك لاترتسم أمام عينيه إلا صورة الوطن ومن فيه من أحبة وأصدقاء وجيران حتى الشجر والزهر.. وتدفق المياه تصبح لها أنغام أجمل من الموسيقا.. ويتمنى أن يعود إلى حضن داره وموئل أحلامه»…
اليوم عادت قمر كيلاني بأعمالها الكاملة التي صدرت حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب ب732 صفحة من القطع الكبير لتقدم لنا فصولاً غنية ومهمة بدأتها بدراسة متأنية عن فارس من فرسان السيف والقلم هو (أسامة بن منقذ)، وأخرى متألقة عن فارس من فرسان الشعر ألا وهو (امرؤ القيس) لتختمها بدمشق عاصمة الثقافة الأبدية.
تحت عنوان (دمشق..من العمق) تكتب كيلاني بأروع المشاعر عباراتها الأنيقة فتصبح عطراً مضمخاً بالحب فتقول: دمشق من العمق مدينة حنون وهي تتجاوز على مدى الزمن كل المحن وريب المنون… منذ فتحنا عيوننا في الأربعينيات على دمشق لم نجدها إلا مثل نهرها وينابيعها وعيون الماء فيها تسقي وتروي بهدوء وحنان، وتمد أبناءها بما تقدر عليه من أمن وأمان.
وتعرج الكيلاني في كتابها على معالم دمشقية مهمة كمحطة الحجاز أي الخط الحجازي الذي يصل دمشق بالمدينة المنورة مروراً بدرعا فعمان فتبوك، وحي العمارة العريق، لتنتقل للحديث عن يوم تاريخي ودمشقي عظيم إنه عيد الجلاء.
ذلك اليوم التاريخي هو دمشقي, ليس بمعنى صنعه بالطبع بل بالاحتفال به، الاحتفال الذي حفر حروفه في الضمير الوطني، وأصبح رمزاً من نور لكل الأجيال التي تقاوم وتناضل, اصبح كتاباً من التاريخ لا يروي فقط قصصاً وعبراً بل يصنع علامات على اسماء لم تعرف إلا الوطنية الصادقة الصامتة.
وفي دراستها عن الشاعر أسامة بن منقذ تقول صاحبة رواية أيام مغربية ما الذي يدفعنا نحن أبناء هذا الجيل إذ نقلّب صفحات التاريخ أن نتوقف عند الأمير السوري الفارس والصياد والشاعر والمؤلف أسامة بن منفذ ؟ هل لأنه سوري ؟ وهل لأنه فارس شجاع خاض الحروب وشهد الوقائع؟ وماذا في أن يكون فارساً ما في عصر امتلأت سماؤه بنجوم الفرسان؟ وماذا في أن يكون صياداً ماهراً يتغلغل في الغابات ؟ هذه الأسئلة تشدنا إلى أن نهتم بهذه الشخصية التي لايزال بريقها والتي كانت لامعة في عصرها لنجد الإجابة عن كل من هذه الأسئلة، فالإجابة جاهزة تقريباً أو متوافرة لو أردنا.
وتضيف كيلاني: ويبقى الأدب.. الأدب الذي يتجلى عند أسامة إبداعاً أكثر منه تأليفاً وتصنيفاً أو جمعاً، أليس كتابه (الاعتبار) أول سيرة ذاتية في الأدب العربي ؟ أليست كتبه الأخرى تحمل من الابتكار وتجاوز مفهوم عصره مايدعو للدهشة والإعجاب؟
أسامة بن منفذ لايبزغ أمامنا فارساً، لايسطع شاعراً، لا يرتفع مؤلفاً فنحني له هاماتنا، لا يخطفنا وراءه في مغامرات الصيد حتى اللهاث، لا يسيرنا في دروب الدهشة حتى نصل إلى شيخوخته الممتلئة، ولكننا مع ذلك نعطيه فائق الاهتمام لأنه مزيج من هؤلاء ومتفرد ومتميز على أنه واحد من هؤلاء.
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الخميس 4-7-2019
رقم العدد : 17016