إنها السادسة عصراً وأنا أجتاز البوابة الرئيسية لحديقة تشرين بخطوات يخترق لهيب الشمس جلدي وعظمي ، أتنقل متباطئة الخطا بين أجنحة معرض الزهور،متثاقلة متأففة من الحر ووطأة الصيف لمهمة اعتيادية كنت أحسبها أشبه بالعقوبة وسط لهيب هذا النهار.
تتوالى أمامي الألوان اللاهبة للزهور المنتشية بعطورها الصارخة وأنا مغيبة الشعور أبحث عن أي شي يثير انتباهي لأكتب عنه وأكمل مهمتي, ربما حالة الاكتئاب السائدة لدي بمثل هذا الجو الحار. إلى أن رأيتها هناك وحيدة في ركن منزو قابعة بكل هدوء وسكينة رغم عدم انتباه الجميع لها، جذبتني بجذعها الممشوق وعمرها الناضج الموعود بثمار شهية ،لا أدري أوجدتها أم هي من وجدتني لتذيب ثلوج أعماقي، سلختني عن كل الضجيج والصخب الذي يلف المكان حولي ، سرت نحوها ولهفتي اليها لا يعرفها إلا من ذاق لوعة الحرمان ، وعانقتها ودفنت رأسي بين أوراقها الداكنة عناق من يريد إذابة جليد عمره.
هي شجرة الكباد الشبيهة بشجرة الكباد الخاصة بوالدي ، هي ذات الجمال والروعة والرائحة المعششة في حنايا نفسي، وكيف لا أعرفها وقد شاركتنا أدق تفاصيل حياتنا وتفاصيل أيامنا، فعلى تغضنات جذعها رنات ضحكاتنا ، وزفرات تنفسنا ولهونا وحماقاتنا احتضنتها واحتضنت عمري الذي مضى ..أبي الراحل و زريعة أمي( وجه القطة والسجاد وراخي شعره والنفنوفة )..اخوتي ..وذكريات عمر كان ولن يعود.
لم أعرف بالضبط كم عمر شجرة الكباد التي كان المرحوم والدي يهوى الجلوس تحت ظلها في بيت العيلة القديم ، كنت في كل مرة أسأله كان يكتفي بإيماءة تتبعها ابتسامة فيها ألف معنى ومعنى « إنها تقارب عمري»
ولا أحد يستطيع أن يحصي عدد الأيام والساعات التي قضاها وزهر الكباد يتساقط عليه ربيعاً وليعود ويلملم ورقه الأصفر خريفاً.
مات والدي واقتلعت بعده بشهور قليلة شجرة الكباد وانمحت آثار بيتنا الدمشقي العريق بالتنظيم العمراني الحديث.
ودفنت تحت أنقاضه كل ذكريات طفولتنا وفورة شبابنا وأول خطوات نضجنا.
ما الذي ذكرني ببيت العيلة القديم وأثار شجوني وعبث بذكرياتي وأنا التي أنوي إنهاء مهمتي على عجل في مهرجان الزهور .أهي شجرة الكباد برائحة أبي التي غيبها الموت ..أم الجو الحميمي للمعرض بزهوره ونباتاته المعربشة على جدران ذاكرتنا .
أم هي خروج الروح من قيودها…لا أدري حقا»
غير أنني خرجت والنفس مفعمة بعبق الماضي , وروحي تنتفض من جديد منطلقة متحررة من كل أثقالها ومتاعبها ..وحمدت الله كثيرا» أنني لم أفوت علي هذه المهمة.
شكرا معرض الزهور ففيك استعدت جزءاً مدفوناً بداخلي ..ما حسبت يوما أنه سيحيا.
ثناء أبودقن
إنها السادسة عصراً وأنا أجتاز البوابة الرئيسية لحديقة تشرين بخطوات يخترق لهيب الشمس جلدي وعظمي ، أتنقل متباطئة الخطا بين أجنحة معرض الزهور،متثاقلة متأففة من الحر ووطأة الصيف لمهمة اعتيادية كنت أحسبها أشبه بالعقوبة وسط لهيب هذا النهار.
تتوالى أمامي الألوان اللاهبة للزهور المنتشية بعطورها الصارخة وأنا مغيبة الشعور أبحث عن أي شي يثير انتباهي لأكتب عنه وأكمل مهمتي, ربما حالة الاكتئاب السائدة لدي بمثل هذا الجو الحار. إلى أن رأيتها هناك وحيدة في ركن منزو قابعة بكل هدوء وسكينة رغم عدم انتباه الجميع لها، جذبتني بجذعها الممشوق وعمرها الناضج الموعود بثمار شهية ،لا أدري أوجدتها أم هي من وجدتني لتذيب ثلوج أعماقي، سلختني عن كل الضجيج والصخب الذي يلف المكان حولي ، سرت نحوها ولهفتي اليها لا يعرفها إلا من ذاق لوعة الحرمان ، وعانقتها ودفنت رأسي بين أوراقها الداكنة عناق من يريد إذابة جليد عمره.
هي شجرة الكباد الشبيهة بشجرة الكباد الخاصة بوالدي ، هي ذات الجمال والروعة والرائحة المعششة في حنايا نفسي، وكيف لا أعرفها وقد شاركتنا أدق تفاصيل حياتنا وتفاصيل أيامنا، فعلى تغضنات جذعها رنات ضحكاتنا ، وزفرات تنفسنا ولهونا وحماقاتنا احتضنتها واحتضنت عمري الذي مضى ..أبي الراحل و زريعة أمي( وجه القطة والسجاد وراخي شعره والنفنوفة )..اخوتي ..وذكريات عمر كان ولن يعود.
لم أعرف بالضبط كم عمر شجرة الكباد التي كان المرحوم والدي يهوى الجلوس تحت ظلها في بيت العيلة القديم ، كنت في كل مرة أسأله كان يكتفي بإيماءة تتبعها ابتسامة فيها ألف معنى ومعنى « إنها تقارب عمري»
ولا أحد يستطيع أن يحصي عدد الأيام والساعات التي قضاها وزهر الكباد يتساقط عليه ربيعاً وليعود ويلملم ورقه الأصفر خريفاً.
مات والدي واقتلعت بعده بشهور قليلة شجرة الكباد وانمحت آثار بيتنا الدمشقي العريق بالتنظيم العمراني الحديث.
ودفنت تحت أنقاضه كل ذكريات طفولتنا وفورة شبابنا وأول خطوات نضجنا.
ما الذي ذكرني ببيت العيلة القديم وأثار شجوني وعبث بذكرياتي وأنا التي أنوي إنهاء مهمتي على عجل في مهرجان الزهور .أهي شجرة الكباد برائحة أبي التي غيبها الموت ..أم الجو الحميمي للمعرض بزهوره ونباتاته المعربشة على جدران ذاكرتنا .
أم هي خروج الروح من قيودها…لا أدري حقا»
غير أنني خرجت والنفس مفعمة بعبق الماضي , وروحي تنتفض من جديد منطلقة متحررة من كل أثقالها ومتاعبها ..وحمدت الله كثيرا» أنني لم أفوت علي هذه المهمة.
شكرا معرض الزهور ففيك استعدت جزءاً مدفوناً بداخلي ..ما حسبت يوما أنه سيحيا.
ثناء أبودقن
التاريخ: الاثنين 8-7-2019
الرقم: 17018