بعد الرفض الألماني للطلب الأميركي بإرسال قوات برية إلى سورية، وبعد تأكيد برلين أنها لا تُخطط لتغيير واقع مشاركتها بالتحالف الأميركي، وبعد اتخاذ دول أخرى موقفاً مُشابهاً رافضاً، فإن ما انتهى إليه كثيرون من استنتاجات، بات يلامس الواقع لجهة أن تحالف العدوان بدأ فعلياً رحلة التصدع التي لن تبقى مُنعكساته محدودة في إطاره، بل ستنسحب على ملفات أخرى.
تَصدُّعُ، ثم انهيار تحالف العدوان نتيجة طبيعية، بل حتمية لتحالف طالما بُني على جبل نفاق وتَأسس على ادّعاءات وأكاذيب وفبركات، من لم يَتوقعها فهو غير طبيعي، ومن لم يَستشعرها لا علاقة له بالسياسة، ومن يَستهجنها ينبغي نَعته بالمُنفصل عن الواقع، ودائماً ليَبقى من غير المقبول ومن غير الطبيعي ألّا تُغادر الأمم المتحدة مَوقعها كطرف في النزاعات، تَنطق بلسان واشنطن خلافاً لشُرعتها وللمبادئ التي قامت على أساسها!.
لن نُهاجم الأمم المتحدة ومسؤوليها، ولكن هل لها أن تدافع عن وجهة النظر والمواقف، وعن أدائها المُخزي الذي يتناقض مع أصل وجودها، والذي يجعلها طرفاً، وتابعاً لواشنطن؟.
بنتيجة تَصدّع تحالف العدوان، هل تشعر واشنطن بالخيبة والإحباط، أم تذهب لتوبيخ شركائها وللقسوة معهم ولمحاولة إذلالهم؟ هذا شأنٌ خاص بها وبهم، لن يُغير بالمسارات التي أنتجت خلافاتهم، بل ربما تَتعمق، ذلك أنّ الطرف المُعتدى عليه لن يَقبل بأقل من أن يَستكمل انتصاره، وأن يُحول مشاريع استهدافه حُطاماً.
غِير بيدرسون المبعوث الأممي الذي أنهى للتو مُباحثات بموسكو يقول: (اقتربنا جداً بالمواقف مع روسيا حول سورية)، فما مَدلولات هذا الاقتراب سياسياً؟ لماذا تأخر ولماذا استَهلكَ سنوات ليَقع؟ وأين كانت مواقف المنظمة الدولية؟ هل كانت أقرب إلى واشنطن وتحالف العدوان الذي يَتصدع؟ أم كانت تتبنى المواقف الأميركية وتَنطق بلسان تحالف العدوان؟ ولماذا؟ لماذا كانت كذلك؟ ولماذا تتحول اليوم؟.
مَقاصد هذه الأسئلة الثقيلة، نبيلة تُحرض على وجوب التصويب، وليس بينها محاولة تهشيم الأمم المتحدة التي ما زالت تتبنى مواقف واشنطن التي تحمي كيان الإرهاب المُنظم (إسرائيل)، والتي لم تُلامس الحد الأدنى مما كان يجب عليها أن تتخذه من مواقف حادة بشأن انقلاب أميركا على الاتفاق النووي الإيراني، تَحفظ بها مكانتها كمنظمة أممية، وتُثبت عدم تبعيتها لواشنطن!.
عالجت سورية بحكمة وشجاعة – مع حلفائها – كل المُشكلات التي واجهتها، صَنعت نصرها بيدها، بصمودها والتضحيات، ولن تَركن لأي وعود، ستَستكمل ما بدأته بثبات لا يَدع مساحة لأميركي أو تركي يُحاول واهماً تَثبيت حالة فيها خدمة لأطماعه أو سعياً لحجز مكان له في مستقبل المنطقة سياسياً.
تُعالج طهران – مع حلفائها – المُشكلات المُتصلة بملفها النووي، وعلاقتها مع الغرب والعالم، بالصبر والحكمة، لكن بالحزم والرسائل التي لا تَخلو من القسوة مع عدو مُتغطرس لا يُقيم وزناً لأحد، ويبدو أنه لا يَفهم إلا لغة القوة.
إذا توفرت الرغبة والإرادة لدى الأمم المتحدة لتأخذ دورها، فما من أحد إلا سيُرحب، لكن عليها أولاً ألا تكون طرفاً .. النيات لا تكفي، وبانتظار تشكل المؤشرات.
كتب علي نصر الله
التاريخ: الأربعاء 10-7-2019
رقم العدد : 17020