الملحق الثقافي:
لعب الفن القوطي دائماً دوراً أساسياً في الفن العالمي، حيث أن الهندسة المعمارية واللوحات والمنحوتات لم تدهش الناس من القرون الوسطى فحسب، بل وأيضاً نقاد الفن المعاصر وزواره. كان مظهر الطراز القوطي أكثر من واضح في الهندسة المعمارية، في حين أنه في اللوحات أو النحت أو أي نوع آخر من الأعمال الفنية، لم يظهر بشكل كافٍ. من المعروف أن الجمال والقيمة الفنية للهندسة القوطية تتأثران باتجاهات مختلفة، لأن النمط المعماري القوطي لا يظهر كوحدة واحدة؛ بل واجه تطورات وأصبح نظاماً.
الهندسة القوطية في البداية استمرت كنظام للعمارة المقببة، التي تم تطويرها في الفترة الرومانية. في معظم الحالات، كان النمط المعماري القوطي خاصاً بالكنائس في العصور الوسطى. على الرغم من حقيقة أن الفن القوطي أظهر وفرة من التغييرات في العمارة التي أصبحت واضحة، فإن المخططات الأرضية للمباني المقدسة ظلت كما هي. تنوعت الهندسة القوطية كثيراً. كانت هذه الظاهرة تعتمد على البلد الذي بدأ الفن القوطي في الظهور فيه وعلى فترة البناء. هذا هو السبب في تحديد المباني القوطية زمنياً؛ يتم تصنيفها إلى: القوطية المبكرة والعالية والمتأخرة. على سبيل المثال، في فرنسا، تدوم القوطية المبكرة من 1140 إلى 1800، وتستمر القوطية العليا من 1200 إلى 1350، والقوطية المتأخرة من 1350 إلى 1520. في بلدان أخرى، كان الوضع مختلفاً تماماً: في إنجلترا، كانت الهندسة القوطية غريبة، فقط اعتمدت الأقواس الضيقة، واستمرت من 1170 إلى 1250. في إيطاليا، ظهر النمط القوطي فقط في 1200 بينما في ألمانيا، استمر القوطي المبكر خلال فترة قصيرة من الوقت: من 1220 إلى 1250. بعد ذلك، تبعه القوطي العالي من عام 1250 إلى عام 1350، واستمر القوطي المتأخر من عام 1350 إلى عام 1530.
أصبحت المدرسية واحدة من المفاهيم الفلسفية الجديدة والأفكار النقدية، التي ظهرت في الجامعات الأوروبية من 1100-1500 حيث سادت هذه الطريقة في التدريس الأكاديمي؛ هذا هو السبب في أن كل من الفن القوطي والمدرسية أصبحا مستجدين في نفس الفترة الزمنية.
علاوة على ذلك، كانت المدرسية وسيلة للتنسيق بين الفلاسفة في العصور الوسطى. سعت العمارة القوطية إلى الحصول على نوع مماثل من الانسجام، على الرغم من أن ما يسمى بـ «الوئام النهائي» لم يتحقق بالكامل، فقد كشف بناة القوطية عن الجمال الذي يستجيب لبعض من أعمق عمليات القلب الإنساني. إن البحث عن الانسجام في النفس البشرية وبين الأساليب الفلسفية واللاهوتية المختلفة موجود في الدراسات المدرسية والأسلوب المعماري القوطي، بحيث أصبحت النظرة الفلسفية قوة دفع فكرية للفن القوطي.
هناك مسألة أخرى تثبت الزخم الفكري للمدرسية على الفن القوطي، وهي رغبة البنائين في ابتكار أسلوب معماري جديد من دون أن يغفلوا عن الأعمال المعمارية السابقة، لأنهم لا يميلون فقط إلى إظهار رؤية جديدة للهندسة المعمارية في فنهم، وإنما للتوفيق بين التقنيات السابقة وتقنيات جديدة. على سبيل المثال، في أحد أعماله، كتب كينيث كلارك: «كان هذا هو العصر الذي أعطى للحضارة الأوروبية زخمها. طاقتنا الفكرية». من ناحية أخرى، على الرغم من أن الكاتدرائيات القوطية كانت تشبه المعابد اليونانية، التي اتبعت التقاليد اليونانية الرومانية، إلا أن العمارة القوطية كان يهيمن عليها الخط العمودي، وليس الخط الأفقي كما في المباني اليونانية. بالإضافة إلى ذلك، كان القوس القوطي مدبباً ولكن ليس مسطحاً أو شبه دائري كما كان في اليونان القديمة في حين تم تكسير الجدران بواسطة النوافذ من أجل جعل الغرفة أكبر وأخف وزناً. هذا البحث عن أشكال مثالية جديدة واستخدام الخبرة السابقة كان مستوحى من دعاة المدرسية.
كانت المدرسية نظاماً فلسفياً ركز على حل الكثير من المشكلات الفلسفية الجديدة مثل التحليل الروحي والإرادة والعقل والإيمان. أصبحت هذه القضايا نوعاً آخر من الزخم الفكري للأسلوب المعماري القوطي، لأن تشبع المحتوى الفكري والروحي واضح حتى في كل عمود من أعمدة الكاتدرائيات القوطية. يبدو أن المبنى بأكمله يدور حول أهمية الإيمان باعتباره الجسد الروحي، وليس مجرد جدران حجرية. كان على الجدران الحجرية الحصول على معنى روحي ولجعل الزائر يخلق استنتاجاته الخاصة بشأن واحدة من القضايا الفلسفية للمدرسية بشكل خاص. وكان هذا الهدف الذي يتعين تحقيقه عن طريق المدرسية.
لأن الجدران القوطية كانت ضيقة نسبياً، لهذا السبب كانت اللوحات القوطية صغيرة جداً. ومع ذلك، على الرغم من صغر حجمها، كانت اللوحات تحمل معاني بارزة. أثرت المدرسية، على هذا النوع من الفن القوطي. تم إنشاء لوحات رمزية بالإضافة إلى منحوتات وفقاً للفكرة التقليدية في الوقت نفسه، فهي أكثر طبيعية وجمالية. علاوة على ذلك، أصبحت اللوحات أكثر حيوية، وكان عليها أن تحفز المراقبين على إجراء تحليل روحي.
إن التطور الفطري والنجاح الساحق للفن القوطي، يعودان إلى القرن الثاني عشر حتى الخامس عشر. كان للمدرسية تأثير كبير على الطراز المعماري القوطي وكذلك اللوحات والمنحوتات. بادئ ذي بدء، حدث ذلك بسبب التطور المتزامن لكل من الفن القوطي والمدرسي. علاوة على ذلك، فإن المنظور الفلسفي جعل البنائين القوطيين يأخذون في الاعتبار ليس فقط الأشكال المعمارية الجديدة، ولكن أيضاً تلك التي كانت غريبة على اليونان القديمة؛ كانت هذه واحدة من الطرق الرئيسية في الأساليب المعمارية المختلفة. أصبح الجانب الروحي للبناء أكثر أهمية بسبب المدرسية أيضاً. أصبحت اللوحات والمنحوتات أكثر واقعية من قبل أنصار الزخم الفكري للمدرسية. هذا هو السبب في أن هذه النظرة الفلسفية يمكن اعتبارها سلاحاً قوياً للفن القوطي.
التاريخ: الثلاثاء16-7-2019
رقم العدد : 16025