الإدارة بالإبداع والابتكار

اهتم ويهتم الكثير من الباحثين في الشأن الاقتصادي وعلم الإدارة بالنجاح الهائل الذي حققته دول وشعوب جنوب شرق آسيا ولا سيما الصين واليابان وفيتنام وسنغافورة وماليزيا وغيرها من دول العالم في إطار استثمار الموارد والرأسمال الاجتماعي وكفاءة الإدارة، ولعل النموذج الياباني هو الأكثر حضوراً في هذا المجال، فاليابان ذلك البلد الآسيوي العريق والمكون من أكثر من خمسة آلاف وخمسمئة جزيرة يهز العالم بإنجازاته أكثر مما تهزه حركات الأرض بزلازلها، فهي تشكل ظاهرة اقتصادية يمكن لبلد كبلدنا سورية الاستفادة منها في إطار الحديث عن تطوير الإدارة وعمل المؤسسات وتأهيل الكوادر، فاليابان كدولة وشعب تتمتع بسمعة طيبة لدى أغلب شعوب العالم فإلى جانب سياستها السلمية في إطار العلاقات الدولية التي تعكس طبيعة ثقافة المواطن الياباني من تسامح وروح جماعية وحب للعمل الجماعي وعلى الرغم من أن اليابان قد دفعت ثمناً باهضاً في الحرب العالمية الثانية وتعرضت للقصف بالقنابل الذرية الأميركية راح ضحيته مئات الآلاف من الضحايا إلا أن الشعب الياباني الصابر والعنيد والمكابر والمنتمي لتاريخه وثقافته وأرضه نهض من الحرب بقوة موقناً أن سر النجاح يكمن في حسن الاستثمار في العقول والطاقات البشرية والمادية وبالاعتماد على الذات الوطنية وليس بالتسول واستجرار المعونات من الخارج.
لقد استطاعت اليابان أن تحول الهزيمة العسكرية والدمار الذي خلفته الحرب إلى فرصة للإبداع والابتكار والإنجاز والبناء للنهوض من الرماد وهي اليوم تحتل الترتيب الثالث في العالم من حيث القوة الاقتصادية بعد الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية فعلى سبيل المثال هناك ١٣٠ شركة يابانية من بين أكبر ٥٠٠ شركة عملاقة على مستوى العالم وتملك اليابان ثاني أكبر فائض تجاري بعد الصين ويرجع المحللون الاقتصاديون نجاح التجربة اليابانية إلى عدة عناصر منها الإدارة الفذة والكفؤة في ميدان الأعمال وقيادة المجتمع الياباني من خلال عناصر ثلاثة وهي أن الإنسان الياباني المتفوق بحكم تعليمه وتأهيله والإدارة الرشيدة والثقافة الاجتماعية التي تقدس العمل فبالنسبة للعنصر الأول وهو الإنسان الياباني فهذا لا يعود حتماً لأسباب عرقية وإنما لسبب جوهري هو ما كرسته التربية المدرسية اليابانية من مركزية العلم في التطور والنهوض والارتقاء بالأمم إلى مصاف الحضارة والاستعداد الدائم للتعلم الذاتي والتعمق في الاختصاص العلمي والمهني ورفع المهارة. أما العنصر الثاني فيتمثل في الثقافة الاجتماعية اليابانية التي تقوم على تقديس العمل واحترام الروح الجماعية التي يحملها المواطن الياباني واتساقه وانسجامه معها. أما العنصر الثالث في نجاح التجربة فيتمثل في النظام الإداري الذي يقوم على الصرامة في تطبيق القوانين وأنظمة العمل وتحفيز الإبداع والابتكار إضافة إلى أن العمل عند الياباني هو وظيفة مدى الحياة تمنحه الأمن الوظيفي ما يخلق لديه شعوراً عميقاً بالراحة والأمن والاستقرار يقابله ولاء للعمل واحترام لرب العمل.
إن الموقف من العمل بوصفه وظيفة اجتماعية هو المحرك والمحرض الداخلي للعامل الياباني إن لم يكن أقواها والمعيار هو مستوى الإنتاجية وجودتها حيث تشير الدراسات إلى أن إنتاجية العامل الياباني هي من أعلى الإنتاجيات في العالم قياساً بساعات العمل حيث يتم التركيز على مفهوم مجموعات العمل أو الطاقم وهم يطلقون عليها (الإدارة بالتجوال) حيث تقوم بالمشاركة بحل المشكلات وعدم الاكتفاء بإصدار الأوامر والتعليمات وهي منسجمة مع التربية الصارمة التي يتلقاها المواطن الياباني وحرصه على التكامل والاتساق بين هويته وهوية مجتمعه بما يعزز مكانته واعتراف الجماعة به فاعلاً في حياتها.
وفي الخلاصة مما تقدم يمكننا الاستنتاج أنه يوجد في التجربة اليابانية في الإدارة ما يمكننا الاستفادة منه في سورية التي تعرضت لعدوان إرهابي استهدف كل مكونات الدولة السورية الأرض والشعب والجيش والمؤسسات نتج عنه دمار غير مسبوق شكل كل ما هو على الجغرافية الوطنية السورية من بشر وحجر ولا سيما أننا نعيش بداية مرحلة إعادة بناء تشمل البنيتين المادية والبشرية حيث يرى السيد الرئيس بشار الأسد في الإدارة الناجحة أساساً في عملية بناء الوطن ولا شك أن المناخات الحالية سواء أكانت القرارات والمراسيم التي صدرت أم السياسات التنفيذية المطلوبة توفر فرصة حقيقية للارتقاء بالأداء العام وتحقيق الأهداف الأساسية لخطط إعادة البناء والتنمية وما يستلزمها من تنامٍ بحس المسؤولية وإبراز البعد الأخلاقي للوظيفة الإنتاجية وأن يضع الجميع سورية الوطن أمام أعينهم وفي عمق وجدانهم وضمائرهم.
khalaf.almuftah@gmail.com

خلف المفتاح
التاريخ: الاثنين 22-7-2019
الرقم: 17029

آخر الأخبار
مع اقتراب موسم قطاف الزيتون.. نصائح عملية لموسم ناجح "جامعة للطيران" في سوريا… الأفق يُفتح بتعاون تركي "التربية والتعليم" تعلن آلية جديدة لتغيير أسماء بعض المدارس مدارس حلب تستقبل طلابها بحلّة جديدة الشرع يلتقي ملك إسبانيا ورئيس الوزراء الهولندي في نيويورك "حقائب ولباس مدرسي".. مبادرة أهلية تخفّف أوجاع العام الدراسي تطوير البرامج الإنسانية والتنموية في حلب  أونماخت: مشاركة سوريا بالأمم المتحدة تفتح الباب لمرحلة جديدة  وزير الصحة يفتتح مركز معالجة الأورام السرطانية في درعا  تراجع إنتاج الزيتون في حماة بنسبة40 بالمئة بسبب الجفاف  هل حققت "مهرجانات العودة للمدرسة" الجدوى والهدف؟  الحوكمة في سوريا.. ركيزةٌ غائبةٌ لريادة الأعمال وفرصةٌ لمستقبل زاهر  إدلب تستعيد نبضها.. مبادرة "الوفاء لإدلب" تكتب فصلاً جديداً  التعليم المهني.. جسرٌ نحو المستقبل وفرص الحياة الواعدة  الخطاب الرئاسي يؤكد أن سوريا تنتمي لمناضليها في الداخل والخارج  باحث سياسي : خطاب الشرع يؤسس لمرحلة من التعافي و النهوض والانفتاح  تعهد ترامب الحازم ..هل سيمنع نتنياهو من ضم الضفة؟ "النشرة الضوئية"..  فجوة تضع المواطنين بمواجهة منتحلي الصفة الأمنية موقع فرنسي: إسرائيل تفتعل الفوضى الأمنية في سوريا تكريم المؤسسات الفاعلة في ختام مشروع بنيان 3