الملحق الثقافي- عقبة زيدان:
منذ أن ظهر مفهوم النهضة، كان ملتبساً، ولكنه تاريخياً حُدد بالفترة الزمنية الممتدة من الثلث الأخير للقرن الرابع عشر إلى منتصف القرن السادس عشر. وتلازم هذا المفهوم مع مفهوم «التجديد» و»الأنسنة»، اللذين يضعان الإنسان في مركز الاهتمام.
أدارت النهضة ظهرها للقديم، وقفزت بالعلوم والفنون قفزة كبيرة، مع أنها لم تخلق من عدم. إنها تحولات بدأت في المجتمع الإيطالي في العصر الوسيط، للتعبير عن حال الإنسان وكينونته، وبالتالي لتأكيد وجوده الحر. استخدم العصر الوسيط العصور القديمة لتثبيت أركانه، بينما استخدمت النهضة العصرين الوسيط والقديم لكي تخدمها، ولكنها لم تلتزم بما جاء فيهما. لقد رأت أن كل ما جاء في هذين العصرين ثابتاً ومجمداً. وعليها أن تعيد إحياءه من جديد.
الولادة من جديد، هو العنوان الكبير لعصر النهضة، أو هو المصطلح الموازي تماماً، هذا بالإضافة إلى مفهوم الأنسية، الذي ختم كل الفلسفات آنذاك بختمه. هذه الأنسية بمعناها الأدبي توجهت إلى نقد النصوص القديمة، وإعادة اكتشاف العصور القديمة اليونانية واللاتينية. وقد برز بترارك كباحث في المخطوطات القديمة، فانتشل من النسيان نصوصاً نادرة. وهذا الولع البتراركي مهد الطريق أمام الأنسيين الإيطاليين في أواخر القرن الرابع عشر ليقوموا بنبشهم التاريخي، ونفض الغبار عن النصوص الكبيرة والمهمة في التاريخ القديم.
ليس مفهوم النهضة مجرد كلمة يطلقها رجال في عصر ما، إنها فعل إنساني، لا يستهدف سوى الإنسان وعلاقته بالطبيعة وبوجوده على هذه الأرض. لذلك فإن عبقرية النهضة، تكمن في إشادة واقع جديد، مع ما تحمله من تقدير لما سبق من الحضارات وما دونته الثقافات السابقة.
التاريخ: الثلاثاء30-7-2019
رقم العدد :17037